علوم الإيزوتيريك، انسانية – حياتية – تطبيقية، توضح الغوامض وتكشف الخفايا.
مقابلة مع الدكتور جوزيف مجدلاني في جريدة “الشرق”
منذ منتصف القرن المنصرم حدث ما يشبه الثورة العلمية في مناطق مختلفة من العالم، إلى جانب ثورات ذاتية تحررية كالثورة الجنسية في العالم الغربي في الستينات، على سبيل المثال.
امّا لجهة الثورة العلمية، فبات السعي وراء تحصيل العلم هو الشغل الشاغل للانسان الطامح إلى تحسين مستوى حياته في نواحيها كافة. لكن العلم لم يجنِّب الانسان المرض، ولم يمنحه السلام أو الصداقة الحق أو الاستقرار العاطفي، لا بل حرمه من الحس الإجتماعي السليم والاستقرار المعيشي والدفء الذاتي في كثير من الأحيان. لقد قدم العلم للانسان التكنولوجيا المادية من دون أبعاد انسانية.
طبعاً، ذلك لا يعني أن الانسان غير المتعلم كان في أفضل حال، وان اتسمت حياته بالبساطة. لكن ما هي مشكلة انسان هذا العصر؟! فهو يبدو وكأنه يرزح تحت كاهل اعباء تفوق مقدرته على الاحتمال؟ كيف يمكن تحديد اسباب حالة الصراع هذه، وهل يمكن ان يتجنب المرء الدخول في متاهات جديدة من التخبط الحياتي المصيري؟…
للإجابة عما تقدم، كان لنا لقاء مع مؤسس مركز علوم الإيزوتيريك الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي الدكتور جوزيف مجدلاني (ج ب م). تركَّز الحوار حول القاء الضوء على ماهية علوم الإيزوتيريك، والتي يبدو أنه لا تعصى عليها الإجابة عن الكثير من الأسئلة الغامضة والعويصة بالنسبة للانسان، علَّنا بذلك نستخلص منها الحلول الشافية لمشاكل الانسان المعاصر المطروحة على أرض الواقع اليومي المعاش.
س- قبل الخوض في هذا الطرح الواسع هل بالامكان أن تقدِّم لنا لمحة موجزة عن معنى كلمة إيزوتيريك؟
ج- كلمة “إيزوتيريك” يونانية الأصل والمنشأ، تعني داخلي “جواني” وأيضاً الخفي والخاص. إستخدمها أرسطو وفيتاغوراس للإشارة إلى ما هو خفي. بعد ذلك شاع استعمالها في أوروبا بمعنى ما هو مجهول غير منظور، لتشمل الغوامض الروحية في العصور الحديثة. وتجدر الإشارة إلى أنَّ موسوعة بريتانيكا تعرِّف هذه العلوم على أنها علوم النخبة، وموسوعة لاروس على أنها التعاليم التي يصعب إدراكها على غير مستنيري العقول. أما العرب الأقدمين فقد فسروها بأنها العلوم المضنون بها على غير أهلها. مع الوقت صار “الإيزوتيريك” يعرف بالطريق إلى باطن الانسان لإكتشاف مكنوناته الخفية وكشف طاقاته الهاجعة وجلاء الغموض عن مقدراته الكامنة. وهذا ما عُني به أصلاً. والجدير ذكره أن الإيزوتيريك هو طريق عملية الى باطن الانسان، تغوص في اغواره وتتجه نحو حقائق الأمور… هو حقيقة كل إنسان… الكامنة في داخله… لذلك وبكل بساطة إن عمر الإيزوتيريك هو من عمر الإنسان على هذا الكوكب. والواقع أن درب الإيزوتيريك لا تكتفي نظرياً بتحقيق الذات، بل تعلم الانسان كيف يتحقق عملياً من كل شيء في إطار منهج ونظام حياتي متكامل. وهذا ما تحقق منه المنتسبون الى مركز الإيزوتيريك في لبنان.
أضف الى ذلك أنَّ الإيزوتيريك هو “العلم الوحيد الذي لا يجيبك عن تساؤلاتك شفهياً، بل يضع امامك بضعة اساليب عملية تخولك لمس الحقيقة بنفسك، واكتساب المعرفة عملياً”
س- ما هو باختصار منهج علوم الإيزوتيريك؟
ج- منهج الإيزوتيريك أو علم الانسان يهدف الى توسيع وعي الانسان، بحيث يعرِّف المرء بالتطبيق العملي الى مكونات كيانه الخفية وكيفية تفاعلها مع عالم الظاهر. أي أنه يقدم اصول التوعية الذاتية ويبقى على الانسان أن يرسم النهج الذي يريد، ويسلك الطريق التي يشاء… طالما هو يقوم بتطبيق المبادئ والبنود الأساسية، وهو في الوقت عينه يقطف نتائج مجهوده. للإيزوتيريك مجموعة مؤلفات تعرِّف عنه والتي ناهزت الثمانون مؤلفاً حتى الآن باللغتين العربية والإنكليزية. هذا إضافة إلى مؤلفات الإيزوتيريك التي تمَّت ترجمتها من العربية والإنكليزية إلى اللغات الفرنسية والإسبانية والبلغارية والروسية، وقريباً الى اللغة الإيطالية. وهي تعالج مجمل المواضيع التي تواجه الانسان في ضوء المعطيات المجهولة في باطن كيانه. ناهيكم عن محاضرات اسبوعية مجانية تلقى في لبنان وفي معظم انحاء الوطن العربي وبعض الدول الأوروبية، عدا عن المقابلات المتكاثرة مع الصحافة والاعلام المرئي والمسموع.
”منهج الإيزوتيريك يهدف الى توسيع وعي الانسان.“
س- موضوعات الإيزوتيريك متنوعة، بحيث انها تتناول مرة علم الأرقام ومرة القلب والدماغ ومرة الغذاء والألوان… فضلاً عن أنها عالجت أدب باطن الانسان في عدة روايات وقصص هادفة… وصولاً إلى ديوان راقٍ في الحب… فما قصة هذا التنوع، وأين تكمن النقاط المشتركة في هذه الموضوعات؟
ج- كل هذه الموضوعات تتمحور حول حقيقة الانسان. اي أن الانسان هو القاسم المشترك فيما بينها. الانسان عالم غريب مستقل، عالم مترامي الأطراف سحيق الأغوار ولامتناهي الآفاق… يحوي ما لا يخطر في بال العلماء! عالم الباطن فيه، او عالم اللامنظور، اوسع من عالم الظاهر، ويحوي اكثر مما يحويه هذا الأخير!
في الانسان أعمق مما يرى بواسطة المعدات الإلكترونية المتطورة…
في الانسان أبعد مما يظن الطب انه توصل الى اكتشافه…
في الانسان أشمل مما يعتقد اي عالم او فيلسوف انه تعرف إليه…
”في الانسان كيان غامض هو حقيقة الكائن البشري.“
في الانسان كيان غامض، ما زال خافياً عن ابصار الأكثرية الساحقة من البشر! هذا الكيان الغامض اللامنظور هو حقيقة الكائن البشري، بل إن الحقيقة هي نبض وجوده… وهو الأصل الذي من خلاله يتوصل المفكر الباحث إلى الفرع، اي الجسد المادي!… إضافة الى ما تقدم، فالانسان يحوي الرقم واللون والنغم في صلب تكوينه.
من جهة أخرى، إن أمراض القلب والدماغ لا تزال معاناة الانسان الكبيرة إلى جانب أمراض أخرى مستعصية، والإيزوتيريك، الى جانب كل ما تقدم، هو علم الاسباب إذ إنه يغور خلف النتائج – المرضية – الجسدية او النفسية – لكشف أسبابها ومعالجة هذه الأسباب، فتزول نتائجها من جسد الانسان ومن حياته.
في الغذاء، الإيزوتيريك هو الوحيد الذي ألقى الضوء على تأثير الأغذية في النفس، إضافة الى الجسد، ولمزيد من التفاصيل يمكن العودة الى مؤلفي بعنوان: “غذاء الجسد متى يكون تغذية للنفس!“.
في الأدب والعلم، يركز الإيزوتيريك على بناء الفكر، وللإيزوتيريك سلسلة مؤلفات ”تعرف الى…“ مثل تعرف الى ذاكرتك، الى فكرك، وعيك، ذكائك، والى الحب… جميعها تتضمن تمارين لتطوير كل من الذاكرة والفكر والوعي وحتى الذكاء في الانسان. فيصبح هذا الأخير صناعة وتصنيع. والتجربة خير برهان.
أما الحب في ظل الإيزوتيريك، فهو علم قائم بذاته، يوصل المرء الى نعمة الحب. الإيزوتيريك واسع بقدر ما هو الانسان واسع وكبير أيضاً. ومن مؤلفاتي في الحب وحوله كتاب “همس الحب“، “تعرف الى الحب” وأعد متتبعي علوم الإيزوتيريك باصدار كتاب نوعي جديد في الحب بعنوان “هذا الحبّ حبّي…“، هذا الكتاب هو مفتاح لأبدية الجمال الخالدة في قلب كل انسان يؤمن بالحبّ ويبحث عنه في أعماق ذاته. هو روايةٌ فريدة لحبٍّ نادر وسامٍ… حبٌّ ارتسم في مخيلة كائنين قبل أن يتجسَّد واقعًا في حياة محبوبين عاشقين. حبٌّ كان يخفق أملاً في مخيلة امرأة تبحث عن الرجل المثال الذي “يقدّر الحبّ والجمال، يقدّر الفكر والشعور، ويقدّر الوجود بميزان عقله…“، وحبٌّ رسَمَ مستقبلاً في مخيلة رجل يبحث عن المرأة التي “تكمِّل أحاسيس جسده باختبار لذة الحبّ، وتكمِّل مشاعره بتفاعلات الحبّ، وتفتّح عقله على وعي الحبّ، وعي المشاركة الانسانية وتطبيقها في الحياة الزوجية…“.
”الحب في ظل الإيزوتيريك هو علم قائم بذاته.“
س- ما معنى أن يحوي الانسان الرقم واللون والنغم؟
ج- يفسر الإيزوتيريك الكيان الانساني اكثر من مجرد جسد مؤلف من لحم ودم! الكيان الانساني مؤلف من سبعة أجسام أو أجهزة وعي، وهي: الجسم الأول: الجسد المادي، الجسم الثاني الجسم الأثيري او الهالة الأثيرية وهي تحيط بالجسد وتزوده بالصحة والحياة (وقد تمكن العالم الروسي كيريليان من تصوير الهالة الأثيرية في الستينات). الجسم الثالث او الجسم الكوكبي وهو يمثل العواطف والمشاعر البشرية. الجسم الرابع او الجسم العقلي الذي ينقسم إلى قسمين: الأدنى منه يشتمل على كل ما يتعلق بالأفكار الأرضية والبشرية ويحوي ايضاً سائر الطاقات العقلية كالتحليل والتمييز والاستنتاج؛ والقسم الأعلى منه يحوي الفطنة والذكاء، الابتكار والإبداع والأفكار الروحية والمعرفية السامية… الجسم الخامس او جسم المحبة يمثل الشعور الالهي، وهو المعرفة الكلية في الانسان. الجسم السادس او جسم الإرادة الحكيمة في الانسان، واخيراً الجسم السابع متمثلاً بالروح او النواة الالهية في الانسان.
”الرقم يولد نغماً والنغم بدوره يعطي لوناً.“
والألوان هي ما تكون ذبذبات هذه الأجسام… التي لا ترى بالعين المجردة لأنها ذبذبية التكوين وبالتالي لامنظورة، اما الجسد المادي الكثيف فيحتويها ويحفظها متماسكة، وهو الجانب المنظور والملموس من الكيان. فيما الجانب الذبذبي اللامنظور هو الذي تتفاعل ذبذباته بموجب معادلات رقمية، كما كل شيء حديث قائم على الذبذبة كالهاتف الخليوي مثلاً… هذا والرقم يولد نغماً (على غرار السلم الموسيقي) والنغم بدوره يعطي لوناً (على مثال التدرج في الألوان). فنلمس النتيجة في الجسد-المادة او الجانب المنظور. وعن حقيقة النغم فهو تعبير عن حركة الذبذبة. ولكن شفافيته ايضاً من شفافيتها. فما لا تتمكن من رؤيته على صعيد الذبذبة لا تتمكن من سماع “نغمته” او صوت حركته في التعبير المادي.
من جهة أخرى، إذا ما تطرقنا إلى حقيقة اللون، نجده دليل على كينونة الشيء. فالألوان او الذبذبات اللونية وجدت مع بدء الوجود حيث لا وجود من دون ألوان ولا الوان من دون وجود، لأنها تجسيد لذلك الشيء في ذرات مادية! أي أنَّ كل ما في الوجود مكون أصلاً من ذبذبات، منها ما هو اكثر كثافة، ارتدى ذرات فصار أقل تذبذباً بحيث يرى بالعين المجردة كما هي حال الجسد، ومنها ما هو اسرع تذبذباُ وبالتالي أكثر شفافية، ولا يمكن رؤيته بالعين المجردة كما هي حال الأجسام الباطنية أو الأبعاد الستة المذكورة والتي يمثل الجسد سابعها – على غرار الألوان والاشعة اللونية ما تحت الحمراء وما فوق البنفسجية. وكتابي ” علم الألوان – الأشعة اللونية الكونية والانسانية” والذي تمت ترجمته الى اللغة الانكليزية، يقدم صوراً ملونة واضحة للأجسام الباطنية.
أما الأرقام فهي تلعب دوراً كبيراً في تنظيم حياة الانسان وتسييرها وعياً منه ولاوعياً في معظم الأحيان… ففي الانسان، كما ذكرنا، سبعة اجهزة وعي موزعة بين القسم المادي والقسم البشري والقسم الانساني والقسم الروحي. فيه كل شيء في الكون وفيه من كل شيء على الأرض. لأنه العالم الصغير الكبير. في كيانه تنطوي اسرار الأرقام ورموزها: سرّ الكمال في الرقم تسعة (الدائرة)… سرّ الإكتمال في الرقم سبعة (الهرم)… سرّ الوجود في الرقم ثلاثة (المثلث)… وسرّ الانطلاق في الرقم واحد (البداية)… وسرّ الخلق في الصفر (التخطيط)! وكتابي “علم الأرقام وسر الصفر” والذي بناءً لطلب الكثيرين تمت إعادة طباعته وأصبح متوفراً اليوم في طبعة سادسة منقحة ومضاف اليها، هذا الكتاب يشرح كل ما تقدم واكثر.
س- هل يعتقد الإيزوتيريك بوجود الحاسة السادسة؟
ج- في الكيان الانساني عدة حواس مجهولة وليس حاسة واحدة فقط! كما يشرحها كتاب الإيزوتيريك “مئة يوم مع معلم حكيم“، فالأجسام الباطنية أو أجهزة الوعي الخفية هي بمثابة كتل وعي لاقط… بواسطتها يحتك الانسان بالعالم الخارجي لاوعياً منه، هذا وحواس الجسد الخمس تشكل انعكاساً باهتاً لحواس الباطن. فكل جسم باطني “يسمع ويحس ويشم ويتذوق…” وهو يعي بواسطة ذبذباته. فهناك مركز للسمع الباطني (Clairaudience)، وآخر للبصر الباطني (Clairvoyance)، ومركزاً للشم الباطني (Clairsentience)، ومراكز اخرى لبقية الحواس في أنحاء الجسد. هذا والحواس الباطنية، والتقاط الأفكار، والحاسة السادسة، والحدس؛ كذلك المقدرة على تحريك الأشياء من بُعد بواسطة التركيز الذهني، إلخ… جميعها تعتبر مقدرات باطنية، اي غير جسدية، لا تنفّذ بواسطة أعضاء الجسد، بل عبر مقدرة الأجسام الباطنية كلما توعّى المرء إليها. ولمزيد من التفاصيل يمكن العودة الى كتابي بعنوان ” محاضرات في الإيزوتيريك – الجزء الثالث“، محاضرة بعنوان “الحاسة السادسة، كيف يفسّر الإيزوتيريك عملها؟!“.
س- ما هو مفهوم الإيزوتيريك للوعي الإنساني، وكيف باستطاعة الإنسان تنمية وعيه في ضوء علوم الإيزوتيريك؟
ج- الوعي حركة داخلية ذبذبية تتوالد جراء التفاعل في اجهزة الوعي (الأجسام الباطنية) الذبذبية التكوين في الإنسان، والوعي لا ينتج عن تجميع المعلومات والإطلاع الواسع، بل هو يتفتح من جراء خبرة ذاتية واستنتاج شخصي لا يمكن لأحد ان ينكرهما.
”الوعي يتفتح من جراء خبرة ذاتية واستنتاج شخصي.“
أما فيما يتعلق “بتنمية الوعي” علينا أن ندرك اولاً انه هناك ما يسمى بوعي الظاهر اي الخاص بالجسد، ووعي الباطن اي الخاص بالأجسام الباطنية. وداخل وعي الباطن هناك مساحات متفتحة واخرى غير متفتحة يدعوها الإيزوتيريك باللاوعي. اما العلم فهو يحدد بأن الانسان يستعمل من خمسة الى عشرة في المئة من مقدراته الإنسانية، ومقارنة مع ما تم شرحه آنفاً فإن التسعون في المئة هذه التي يجهلها الانسان ولا يدرك كيفية استعمالها، او تفعيلها، هي مساحة اللاوعي تلك… من هنا، فإن توسيع الوعي الانساني كناية عن تحويل اللاوعي الى وعي عبر تحقيق او تفعيل كل ما يتضمنه الكيان الإنساني “بحالة نظرية”. لذلك فإن وعي وفهم حقيقة الأجسام الباطنية هو اساسي وجوهري لتفتيح الوعي في الإنسان وتوسيع رقعته عبر الاختبار والتطبيق العملي للتحقق ذاتياً من النتائج. هذا ووعي الباطن الخاص بالأجسام الباطنية لا علاقة له باللاشعور أو اللاادراك الخاص بعلم النفس، كما يوضح كتابي “تعرَّف الى وعيك“.
س- ذكرت قبلاً أن الحب علم قائم بذاته؟ الا يلغي ذلك الرومنسية المرتبطة بالحب؟
ج- إن التعمق في تكوين الكيان الانساني يوضح حقيقة التداخل بين المرأة والرجل ككيانين يكمل واحدهما الآخر، وقد أوضحته بشكل مفصَّل في كتابي”المرأة والرجل في مفهوم الإيزوتيريك“. هذا التداخل هو الحقيقة التي تكمن وراء إنجذاب الجنسين واحدهما الى الآخر. لكن مشكلة الحب في أيامنا تكمن غالباً في التركيز على التجاذب الجسدي والإرتواء الجنسي من دون الإهتمام بالمكونات الأخرى للكيان واهمها الفكر. من هنا كان الحب تعلماً وتوسعاُ… أي أن كلا الرجل والمرأة ينبغي ان تكون علاقتهما سعياً الى التعامل الفكري والعاطفي والجسدي الواحد مع الآخر بغية تحويل الإنجذاب الى تفاهم فانسجام. فالحب من دون الإنسجام يبقى مشاعر نفس واحاسيس جسد… فيما الإنسجام سعي فكر وإرادة وعي تنمي الحب وتقوي جذوره في تربة الوعي ويتجه حينها نحو الحب الكبير من خلال التجدد الدائم وصولاً إلى العلاقة المتوازنة والمساواة التامة ومداها حرية وعي يتنامى يوماً بعد يوم. هذه الصورة الشمولية هي الرومنسية عينها. وبعدما يستفيق الحب من هيامه، وتصبح العلاقة تحديد مسؤولية وقرار ارتباط بالزواج، يضعها الحب في الإطار الفكري-العاطفي-الرومنسي اللازم الذي يحدد مستقبل المرأة والرجل ومسؤوليتهما معاً.
إن حب الآخر لا يعني فقط حب ما نحتاجه فيه، بل حب تكاملنا معه، ما يعني أن النفس القادرة على الحب هي تلك التي تبدأ بالمشاعر ثم تتوسع بالفكر، بذلك تكون قد حققت التوازن الداخلي الذي يجعلها قادرة على الإختبار والتمييز والتصرف بإرادة ووعي ذاتي داخلي عميق في سبيل التخطيط لمستقبل أفضل.
”حب الآخر لا يعني فقط حب ما نحتاجه فيه، بل حب تكاملنا معه.“
هكذا نعود الى الوعي الذي يصب ويتداخل في كل ما له علاقة بالكيان الانساني وصولاً الى الحب. لأنه اساسي للانسان وللبنية السليمة للعائلة والمجتمع ككل، وهذا لا يتكامل من دون إقتران العاطفة بالفكر، ما يبعد المنغصات الحياتية في المستقبل. إن كتابي “تعرف الى الحب“، يظهِّر الحب كحالة إنسانية سامية، بعيدة عن السفسطة والتنظير انطلاقاً من معاناة انسان الحاضر الذي يتخبط في تجاذبات ما يعتقده حباً، وهو يكابد جراء الفشل في تحقيق الحب في حياته… فالحب هو الإيجابية الأقصر كي لا نقول الأوحد الى تفتيح الوعي في الانسان.
س- مع الإيزوتيريك تطول الجلسة وكما يقال في العامية “لا يُمَل”. ولكن لا بد من ختام. لذلك وفي نهاية الحوار الشيق، بماذا يعلّق الإيزوتيريك على هموم الإنسان المعاصر وبماذا ينصح؟
ج- مشكلة الإنسان المعاصر تكمن في ابتعاده كلياً عن حقيقته كإنسان، عن حقيقة نفسه كحقل تطبيق، وعن حقيقة ذاته كوجود يلزمه التفعيل… وهو اليوم يحصد النتائج لأنه أَولى المادة عنايته وتناسى كلياً الجانب الآخر من وجوده الإنساني، اي باطنه، حيث تكمن الحقائق كافة.
يقول كاتبنا الكبير ميخائيل نعيمة “ابحث عن المعرفة لأن المعرفة لا تبحث عنك“، ويقول حكيم الاغريق “اعرف نفسك تعرف كل شيء“، اما الإيزوتيريك فيقول إنّ “الانسان هو المختبِر والمختَبَر” مقدماً تقنية إعرف نفسك التي عرف أسرارها حكماء الاغريق حين أدركوا أن المعرفة كامنة في الانسان. أضف اليها ما قاله افلاطون إنَّ “المعرفة تذكُّر“. فاكتساح الوعي للاوعي من خلال تقنية حياتية قائمة على الممارسة من شأنه ان يلقي الضوء على المساحة الكامنة من المعرفة الانسانية… وذلك لا يمكن ان يتم دفعة واحدة، وهذا ما قصده الفيلسوف الكبير من خلال التذكر أي القاء الضوء على المعرفة الانسانية الكامنة واستخراجها من ذاكرة الباطن الهاجعة في باطن وعي كل منا.
اليوم قد آن الأوان لإزالة النقاب عن هذه المعرفة، وتقديم التقنية الحياتية التي توصل كل انسان إلى المعرفة الذاتية. وهذا ما تسعى اليه علوم الإيزوتيريك إن من خلال مؤلفاتها المتكاثرة، او من خلال المحاضرات الأسبوعية العامة المجانية واللقاءات المتنوعة.
”قد آن الأوان لتقديم التقنية الحياتية التي توصل كل انسان إلى المعرفة الذاتية.“
إنسان اليوم، بوجه عام، يعيش حالة فوضى فكرية نتيجة فقدانه السلام الذاتي الذي لا يتحقق الا من خلال وعي حقيقة الانسان كمادة ولامادة. فهدف وجود الانسان على الأرض هو التطور في الوعي، والأرض ما وجدت الا لتحقيق هذه الغاية لأنها مدرسة الانسان؛ عليها يفعِّل اللاوعي في كيانه محولاً إياه الى وعي فاعل. فالنظام الذي أوجد الإنسان هو نظام إلهي لا مكان فيه للصدفة او العشوائية أو حتى الخطأ.
الحل هو الوعي ثم الوعي ثم الوعي… فالسلام العالمي لا يتحقق من دون تحقيق السلام الذاتي على المستوى الفردي اولاً، عدا ذلك يبقى كل شيء خارجي وهش ومصطنع.