هل في مقدور الإنسان أن يغيّر في مجريات حياته بقلم المهندس شربل معوّض
سلّط علم الإيزوتيريك الضوء على مجاهل النفس البشرية وعاديات الفكر، فقلبَ الموازين ودحض المعتقدات المتوارثة والبالية… قَوَّمَ المفاهيم المغلوطة والمشتّتة، وربطها بعضها ببعض في «شبكة» من الحقائق المترابطة، كاشفًا النواحي الخافية للباطن الإنساني التي تشكِّل أساس تفاعل كلّ فرد في مناحي الحياة كافة… فقد قدّمت مؤلفات علم الإيزوتيريك بقلم المعلّم ج ب م وباقة من طلابه (والتي باتت تؤلف موسوعة علمية قائمة بذاتها)، قدمت ما يفوق المئة مؤلّف إلى كلّ مريد للمعرفة، وذلك في ثماني لغات حتى تاريخه. فالمعلّم أخذ على عاتقه تبسيط الحقائق الكبرى وجعلها في متناول كل مريد للمعرفة والتطور في الوعي، فقدّم تقنية اِعرف نفسك لأول مرة في منهج عملي يستفيد منه الجميع، كلٌّ بحسب استعداده وجديته في السعي…
من بين الكشوفات التي قدّمها علم الإيزوتيريك، حقيقة أنّ الإنسان هو محور الوجود برمّته. من أجله وُجِدَ الكون في كلية أبعاده، وله خُلِقَت المجرّة ونظامنا الشمسي بطبقاته كافة، وصولًا إلى كوكب الأرض، مدرسة الإنسان التي ينمو عليها بالوعي عبر الاختبار العملي والمشاركة… لا بل أكثر من ذلك، فقد ذكر الإيزوتيريك «أنّ الكون هو تكبير عن الإنسان، وليس العكس!».
وكما أنّ الإنسان هو محور الخلق، فهو أيضًا محور حياته بكلّ تفاصيلها، أي أنّه السبب، أو الجاذب لكلّ ما يعيشه من أحداث! فمجريات حياته ليست سوى نتيجة لسببٍ ما يقبع في داخله، أو لتعبئة نقصان ما في باطن وعيه، ووعيه الفردي. فالحياة سلسلة أحداث مرتبطة بحالة الإنسان الداخلية، ولعلّ القول المأثور «كن جميلًا ترى الوجود جميلا» يوضح هذا المفهوم، إلى حدٍ ما… فمقاربة الحياة من منطلق أنّ الإنسان هو المحور، تحتّم تغييرًا جذريًّا في طريقة التفكير والتصرّف حيال مجمل الأحداث والاختبارات التي يعيشها المرء، بدءًا بتجربة الحب، امتدادًا إلى الروابط العائلية، وتوسعًا في ميدان العمل، فالمجتمع… هذا يعني أن يستعيد المرء زمام التحكّم في مجريات حياته، العامة كما الخاصة، ويعني أيضًا أن تسقط مفاهيم الحظ والصدفة والعشوائية من حساباته نهائيًا إلى غير رجعة، فيستبدلها بالعمل الموّجَه، والتخطيط المسؤول لربط الظاهر بالباطن والسعي إلى فهم مسببات التجارب التي يعيشها في حياته، سلبية كانت أم ايجابية…
يعتبر علم الإيزوتيريك الحب النطاق الأقرب والأكثر تأثيرًا في نفس كل إنسان، وكذلك الزواج. فمفهوم المحور يحتّم على المرء أن يعي أولًا أنّه المسؤول عن إنجاح علاقة الحب التي يعيشها وصولًا إلى الزواج، بالتالي عليه أن يسعى جاهدًا إلى تحقيق ذلك عبر مراقبة تصرّفاته، تقييمها لتقويمها، بدل إلقاء اللوم على الشريك مثلًا. هذه الايجابية في التعامل ستنعكس حتمًا في تصرفات الشريك، إن اقترنت بالصدق والمثابرة، وستساعد على إضفاء جوٍ من الدفء العائلي… أمّا على صعيد الأبناء فيشرح علم الإيزوتيريك، أنّ الأبناء هم مرآة أهلهم، أيضًا انطلاقًا من مفهوم المحور. ذلك يعني أنّ هفوات الأبناء هي انعكاس لسلبيات الأهل، ما يعني أنّ كلّ صفة سلبية يريد الأهل انتزاعها من أحد الأبناء، لا بدّ من استئصالها من نفوسهم أولًا، والتجربة خير برهان…
أيضًا في ميدان العمل، وما يضج به من تجارب ومواجهات متنوعة يخوضها المرء، قد لا يعي المرء بأنّها انعكاس للمجابهات الداخلية التي عليه خوضها. إذًا يبقى النجاح في تخطّي هذه المواجهات منوطٌ بمدى النجاح في تخطّي المجابهات الداخلية، والعمل على استئصال بذور «اللاانفتاح»، و«اللاصدق»، و«اللاتنظيم» من الأفكار والمشاعر!
يتوسّع مفهوم المحور خارج إطار الحياة الخاصة والحياة العملية ليطال أيضًا المجتمع والوطن، الذي نحن من أبنائه. فكما أكّد الإيزوتيريك مرارًا وتكرارًا أنّه ما من عشوائية في نظام الوعي، يؤكد أيضًا بأنّ المجتمع الذي ينتمي إليه المرء، والوطن الذي يتجسّد فيه، يعكسان مستوى وعي المرء الحالي، ويناسبان برنامج عمله الذي يجب أن يحققه في حياته بهدف تفعيل الوعي… وإن أراد المرء حقًا تغيير المجتمع من حوله، عليه أن يبدأ من نفسه أولًا. فعلم الإيزوتيريك يدعو إلى العمل على بناء الشخصية الفردية وصقلها، لأنّ التغيير في المسلك الحياتي سيؤثّر حتمًا على محيط المرء، ومع المثابرة يطال دائرة أوسع فأوسع من الأشخاص، فالمجتمع.
التعمّق في مفهوم المحور والبحث عنه في تفاصيل الحياة اليومية يوسّع الفهم، فيتحقق المرء عمليًّا من أنّ المستقبل ليس سوى ثمار حاضره! بالتالي حريٌّ به أن ينكش تربة نفسه وينقّيها من «عوسج» المسلك السلبي، كي ينمو زرع المستقبل بما تشتهيه تطلّعاته وآماله. ولعلّ هذا ما يساعد على التخلّص من القلق من المستقبل، وبالتحديد القلق من المجهول الذي يكتنف هذا المستقبل عادةً.
إنّ فهم الحياة يعمّق السلام الداخلي في النفس، ويعزّز الصفاء المشاعري، ويقوّي اليقظة الفكرية من خلال دراسة الأحداث وفهم التجارب، على قاعدة المنطق السامي الذي يربط الظاهر بالباطن، المادة باللامادة. هكذا لا تعود الحياة مجرّد تتالي أحداث غير مترابطة تحكمها العشوائية، ولا يعود الإنسان يشكو ظلمها…
عَيش الحياة في ضوء مفهوم المحور كما قدّمه علم الإيزوتيريك، يغيّر مقاربة المرء لكلّ ما يحيط به، فيجعله يعيش في صلب الحياة لا على هامشها، ولا يعود ينتظر أن «تمطر السماء حلولًا»، ولا أن تتبدّل الظروف مع مرور الوقت، بل يعي أنّ الحياة تريده أن يكون «رجلُ فعلٍ وليس رجل ردّة الفعل» كما ذكر المعلّم في كتابه «رسول عصر الدلو»، ص 38، فيتحمّل مسؤولياته، ويستعيد زمام التحكّم في مجريات حياته، ليرسم مستقبله بإرادته وأفعاله. هكذا تتوسّع دائرة الوعي الفردي، بالتالي دائرة الحرية الفردية، فيستعيد المرء بعضًا «ممّا سُيِّر به» ويجعله من خياراته…
هل نحن بما نحن عليه الآن مؤهلين لحمل هذه القدرة على الوعي الصحي وفهم أنفسنا بعمق..
للحظات كنت أراهن على أن البشرية تتجاوز حالات الجهل و أصبح وعيها أفضل حال من ذي قبل لكني وقعت ضحية لأفكار تبنيتها من خلال ما أقرأ و من خلال تأملاتي، للحظات كنت أتوقع ان الحال أصبح أفضل لكن ذاك لم يحدث و لن يحدث لأن الحال لم تصل لمرحلة الفعل و كما قال المعلم كن رجل فعل و لا تكن رجل ردة فعل .
تحيتي