بقلم الأستاذة لبنى نويهض
مَن ينظر بتجرّد كلّي إلى الأحداث الصاخبة والشرور التي يشهدها كوكب الأرض، يستشف الصورة القاتمة التي آلَ إليها الإنسان، ويعاين الدَرك الأسفل الذي انحدرت إليه المجتمعات… ففي هذا الزمن العاصف الذي فقدَ فيه الإنسان مكانته الإنسانية في الوجود، يحتاج المرء أكثر ما يحتاج إلى ”مشعل نور“، إلى معرفة إنسانية أصيلة تبعث كطائر الفينيق شعلة الخير في داخله… فتتَطهر القلوب، تتعافى المجتمعات وترتقي إنسانيًّا وحضاريًّا من جديد.
فكيف يمكن لإنسان أن يُحيي جوهر الخير فيه؟ وهل في مقدور هذا الخير أن يزيل سواد الشرور التي ترتكب كل يوم بحق الإنسانية، وبحق الأرض وقاطنيها؟
كي يحيي المرء الخير فيه، عليه أن يفهم نفسه ويراقب بصدق وبتجرد كلّي مسلكياته والصفات التي تناقض معاني الخير الحق. فالفساد نقيض الخير، الكذب، القتل، السرقة، الإساءة إلى النفس وإلى الآخرين، التحايل والاحتيال، الكره، العنف، وغيرها من قبائل السلبيات، هي من أوجه ”اللاخير“ في الإنسان. فإرادة إحياء الخير في النفس هي إرادة فهم النفس، وعيها، تطويرها وتضميخها بكل ما هو إيجابي وإنساني جميل. وعلم الإيزوتيريك هو المعرفة الإنسانية ودليل الإنسان إلى نفسه وإلى الخير فيه إذ يقدّم نهجًا معرفيًّا ومنهجًا عمليًّا في سلسلة محاضرات عامة مجانية، إضافة إلى منشورات متنوعة المواضيع تندرج كلها تحت عنوان عريض ألا وهو ”الإنسان دائمًا وأبدًا“. فمن الإنسان دائمًا وأبدًا – من المحور، يعمل المرء على تنقية كل فكرة، كل قول، كل شعور وكل ممارسة تخلو من الخير ويستبدلها بنقيضها الإيجابي…
ويشكّل ”حب النفس“ الخطوة البِكر نحو إحياء الخير في الإنسان. وحب النفس المقصود يعني ”أن يتمعّن المرء في نفسه ويتفحّص مسلكه… أن يعرف كيف يجعل هذه الأنا متواضعة، منفتحة وطموحة… أن يعرف كيف يحدّد سلبيات نفسه ويستبدلها بالإيجابيات…“. فهذا الحب الذي شرحه مؤسس علم الإيزوتيريك في لبنان والعالم العربي، الدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م) في كتابه ”محاضرات في الإيزوتيريك – الجزء العاشر“ ص 59، هو لازمة الوعي والتطور في ظل تنقية النفس من الشوائب والسلبيات. بالتالي، تفعيل الوعي الإنساني هو المنشود… هذا الوعي الذي لا يتحقق بغياب الحب إذ إنّ هذا الأخير هو ”رسول الخير على الأرض“ (من كتاب ”اُمنيتي، هي…“، بقلم الدكتور مجدلاني (ج ب م)، ص 44). وحقيقته (حقيقة الحب) أنّه يبدأ حبًا للنفس، يتوسع حبًا واعيًا بين الشريكين، ويتمدد أشعة محبة في الأبناء والعائلة، فالمجتمع والأوطان…
ومن المفاتيح التي تقدمها معرفة الإيزوتيريك أيضًا لتفتيح الخير في النفوس البشرية، مراقبة الأطفال وإحياء الطفولة في المرء من جديد، إذ إنّ ”النقاء الطفولي هو السبيل إلى النية الخيرة، والنقاء الطفولي منبعه المحبة“ (من كتاب ”اُمنيتي، هي…“، بقلم ج ب م، ص 79).
حقًا إنّ النفس الخيرة في مقدورها أن ترفع المرء والمجتمعات إلى مجد التطور، وفي غيابها تهوي البشرية والحضارات إلى الحضيض؛ وتاريخ الشعوب شاهد حي على ذلك… لهذا تشكّل المعرفة خلاصًا حتميًّا لكل نفس بشرية تسعى إلى التطور وإحياء جوهر الخير فيها… وفي ضوء هذه الحقيقة الصارخة، من المهم أن يسعى المرء لاعتناق المعرفة وترسيخها في النفس إذ في ذلك ”ترسيخًا للخير فيها…“ و”مدخلًا إلى تأسيس علاقات إنسانية راقية محورها الخير الفاعل في النفس“ (من كتاب ”أُمنيتي، هي…“، ص 16 و22).