بقلم المهندس
شربل معوّض

يُعتَبر علم الإيزوتيريك العلم الأقدم على وجه الأرض، لأنّ المعرفة التي يقدّمها هي جزءٌ لا يتجزّأ من صلب تكوين الإنسان؛ وقد حَفرت نفسها (المعرفة)، منذ فجر التاريخ، في باطن الوعي الإنساني. مهمّة الإنسان أن يبحث عن المعرفة من خلال التعرّف إلى كوامن نفسه… وقد قدّم مؤسّس مركز علم الإيزوتيريك في لبنان والعالم العربي، الدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م)، هذا العلم لقرّاء لغة الضاد في قالب شامل، شكّل، ولأوّل مرّة، منهجًا متكاملًا لتقنية ”اِعرف نفسك“. علم الإيزوتيريك هو أسلوب حياة علمي عملي عملاني، درب نظافة داخلية وخير، درب فهمٍ وتطور، درب سعادة وجمال على معارج التطبيق العملي في الحياة…
من ينابيع علم الإيزوتيريك، استقيتُ مبدأ ”تفتيح حسّ الجمال“ في النفس، ووعيت أهمية السعي إلى استشفافه فتطبيقه في كلّ ما أقوم به؛ بدءًا من أبسط الأمور كتوضيب أشيائي، وترتيب مقتنياتي، أو حين أثني ورقة ولو لرميها، فأبقيها متناسقة متوازنة! أو في استقامة مشيتي مثلًا… حتى بات حسّ الجمال يتمظهر في توقي إلى إتقان الأعمال، وينمو بالتجدّد بها وتطويرها، ويكبُر في سعيي نحو الأفضل. حسّ الجمال هذا، نمّى تقديري للأشياء من حولي يومًا بعد يوم، وهو يتغذّى بالتقدير في آن…
علّمني الإيزوتيريك أن أبحث عن الجمال حتّى في ما يُعرف بالقبح… وقد قال الدكتور مجدلاني (ج ب م) في كتابه ”رحلة في آفاق عصر الدلو“ ص 172-173 ”الجمال لا يكون حسًّا جماليًّا، ولا شعورًا رقراقًا، ولا فكرًا هفهافًا، ما لم يكن قادرًا على التمدّد باتجاه أوجه القباحة على مختلف مستوياتها… وذلك لاحتوائها، لإزالة الغشاوة عنها وصقلها، ثمّ تحويلها إلى جزء من وجوده، إلى توسيع أحاسيس الجمال بها. فجمال القباحة كحلو المرّ، يفوق بكثير حلو الحلو!“.
وحين استهللت رحلة التطبيق العملي هذه، تفاجأت بكمٍّ من جمالٍ كنت غافلًا عنه… لعلّ هذا ما قصده الفيلسوف الصيني كونفوشيوس حين قال ”لكلّ شيء جماله، لكن لا يمكن للجميع رؤيته…“.
تفتيح حس الجمال في النفس…
ولعلّ الطريق الأسرع إلى تفتيح حسّ الجمال في النفس شعورًا رقراقًا وفكرًا هفهافًا، هو درب تنقية النفس من أدرانها، أي من سلبيات المسلك في تفاصيل الحياة اليومية. سواء كانت سلبيات مشاعرية كالعصبية مثلًا، البغض، النميمة والغيرة، الأنانية والشعور بالفوقية أو حتى الابتعاد عن الناس… أو سلبيات فكرية كشرود الفكر وعدم الإصغاء، فرض الآراء والتفرّد بالرأي، الفظاظة والادّعاء أو العناد مثلًا… فانتزاع السلبيات من المسلك اليومي واستبدالها بالإيجابيات المقابلة لها، يريح النفس من عذابها ويجعلها تتذوق طعم السعادة والهناء. عندها تضحي النفس أكثر تأهبًا لتلقّف الجمال في أشكاله شتّى…
يكشف علم الإيزوتيريك أنّ ”الحبّ هو الصاقل الأكبر للنفس“، أي أنّ علاقة الحبّ بين الشريكين في ظلّ مبادئ الوعي، هي الدافع الأقوى لكليهما للعمل على تنقية النفس. وهي العون لهما في آن، لتحقيق النجاح في ذلك. فالحبّ هو شعلة الإرادة، إرادة التطور والارتقاء، وإرادة تمكين جسور التواصل مع الحبيب على مستوىً أعمق وأكثر ترابطًا، فهمه وتفهّمه… كما إرادة دراسة النفس لمعرفة كوامنها لتمكينها من تخطّي عيوبها في المسلك والتصرّفات، فتندمل جراحها وتندفع نحو الارتقاء في شؤون الحياة…
الجمال وهج الحب…
واضح أنّ علاقة الحبّ والجمال علاقة وطيدة وقديمة قدم الزمان، وكما قال الأديب اللبناني الشهير ميخائيل نعيمة ”متى اتّسع نطاق محبّتك، اتّسع نطاق الجمال في حياتك. لأنّك لا تستطيع أن ترى قباحةً في ما تحبّ، ولا جمالًا في ما تكره“، وذلك لأنّ ”شعور الجمال لا يزكّيه غير شعور الحبّ. فالجمال هو وهج الحبّ وهالته“، كما يذكر الدكتور مجدلاني في كتابه ”رحلة في آفاق عصر الدلو“ ص 172.
وكما أنّ الحبّ والجمال متلازمان، أي كلّما زاد نطاق حبّك ازداد الجمال في نفسك ومن حولك، هكذا هي الحال أيضًا بين الذكاء والجمال. حيث قدّم الدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م) أيضًا تعريفًا للذكاء في كتابه ”تعرّف إلى ذكائك“ ص 18 قائلًا إنّ ”الذكاء هو حسّ الجمال في بُعد الباطن“، فالذكاء والجمال متلازمان أيضًا. إذ يتضح أنّ الذكاء-الجمال على صعيد الجسد هو التناسق الجسماني والنشاط البدنيّ، والذكاء-الجمال على صعيد المشاعر هو الرقّة والرهافة، والذكاء-الجمال على صعيد الفكر هو الإتقان والدقّة والتجدّد…
وقد صدق الشاعر إيليا أبو ماضي في ختام قصيدته ”فلسفة الحياة“ حين قال: ”كن جميلًا ترى الوجود جميلا“، حيث بات جليًّا من خلال دراسة علم الإيزوتيريك، أنّ درب الجمال هي درب العمل على صقل النفس، عبر الارتقاء في توسيع مقدرة الحبّ الواعي وشحذ طاقة الذكاء الإنساني تطبيقًا عمليًّا…