أدب الرحلات الباطنيّة بقلم المهندس زياد دكاش
قد يكون أدب الرحلات من أجمل فنون الأدب… فهو يحمل القارئ إلى عالم خاص، مداره رحلة المؤلف، «ولا-حدوده» مخيّلة القارئ. توشّي واقع ذلك العالم انطباعات الرحّالة عن أسفاره، وآثار أدبية تنقل صور المكان والحضارات والعادات والشخصيات من منظار المؤلّف-الرحّالة.
تزخر المكتبة العربيّة بالعديد من الكتب التي تمحورت حول الرحلات على أنواعها… لكن ماذا لو كانت الرحلة داخليّة-باطنيّة في «خفايا الذات الإنسانيّة»، على سبيل المثال؟ أو «رحلة بين قبائل السلبيّات» في النفس البشريّة؟ ماذا لو كانت وجهة السفر باطن الإنسان؟ ومركبة السفر أجهزة وعيه؟ وتوقيت الأحداث خارج حدود الزمان والمكان، في أبعاد وعي الإنسان؟!
هذا ما تميّز به علم الإيزوتيريك، حيث قدّم المعلّم د. جوزيف مجدلاني (ج ب م)، مؤسّس هذا العلم، قدّم نوعًا جديدًا من أدب الرحلات، محوره الإنسان ونطاقه أبعاد لامتناهية وكشوفات معرفيّة سبّاقة. بدأ المعلم تلك المغامرات بـ«رحلة إلى عالم المجهول»، وهي رواية من خفايا الوجود الإنساني… تحكي قصة إنسان قرّر البحث عن اللامنظور، وولوج عالم المجهول ليدرك كل ما خفي عن أبصار الشخص العادي، وما خفي عن مداركه. إنّها قصة كل إنسان يقوم بهذه الرحلة إلى عالم المجهول، ورحلته هذه تشمل سبع مراحل متتالية على درب الوعي، تقرّبه شيئًا فشيئًا من حقيقة ذاته.
بعد ذلك، قدّم المعلم كتابه من سلسلة علم الإيزوتيريك أيضًا، «رحلة في مجاهل الدماغ البشري». تتضافر في هذه الرواية، العلمية-الباطنية الفريدة بمضمونها عناصر عدة، تقدم إلى القارئ حقيقة «ما يجري» في دماغه… ومن أهم ما يوضحه الكتاب أنّ الدماغ ليس العقل، بل أداته، أو وسيطه في عالم الجسد.
وهناك كتاب «رحلة في خفايا الذات الإنسانية» الذي يروي الرحلة الباطنية بتفاصيل دقيقة. وكتاب «رحلة في رحاب الحقيقة»، الذي يقصّ سيرة حياة كما اختبرها صاحبها بنفسه، «مدشّنًا» فتحًا جديدًا في آفاق الفكر الراقي والتفكير الواعي في لزوميات العيش ودقائق الأمور. فموضوعاته تُري القارئ الوسيلة الأنجع «لممارسة» الحقيقة على نفسه، فعلًا لا قولًا…
وبعدها كتاب أو رواية «رحلة بين قبائل السلبيّات»، حيث يلقي الكاتب الضوء على ما يجهله المرء وهو هاجع في صميم نفسه، يتصرَّف عبره لا شعوريًّا منه. فيقدّم منهجًا عمليًّا لإزالة السلبيّات من النفس.
وجديد هذه الرحلات وليس آخرها، كتاب «رحلة في آفاق عصر الدلو» بقلم المعلم أيضًا، وهي رحلة شائقة تميط اللثام عن رحلة إنسان الحاضر في زمن المستقبل… زمن العصر الجديد، عصر الدلو، عصر النور والمعرفة بامتياز في ما يحمله من أحداث وتوعية للبشر.
إن فنّ الرحلات الباطنية الإيزوتيريكية التي قدّمها المعلم، يحمل بين طيّاته ما يُحدث تفتّحًا داخليًّا نادرًا للقارئ الشغوف. فمن خلال انسيابيّة السرد، تُدمج خبرات الوعي في أحداث الرواية الإيزوتيريكية وفي تجارب شخصياتها… وفي هذا السرد الروائي، يسهل نفض غبار التفكير الأكاديمي، والتجرد من الوعظ أو التنظير، حتى ذلك الذي يُخبر عن الحقيقة، لمحاولة إيجاد هذه الحقيقة من جديد يدًا بيد مع القارئ في ما انطوى بين سطور الرواية وحروفها…
أليست الحياة رحلة بحدّ ذاتها؟ ورواية بطلها الإنسان وكاتبها أيضًا؟ إنّ علم الإيزوتيريك لا يبحث عن قارئ، بل عن أبطال لرواياته… أبطال يجسّدون على مسرح حياتهم العملية شخصيّات الوعي… ورحلات الإيزوتيريك الباطنيّة لا تصوغ الباطن في قالب معرفي وروائي فحسب، بل تقدّم حجر الفلاسفة، وإكسير الحياة، عسى أن يستخدمهما القارئ – بطل الرواية – في تحويل مسلك حياته إلى رحلة وعي ومختبر خيمياء وتحوّلات داخليّة جوهرية…