الحرية ”جمال الإبداع“
الدكتور جوزيف مجدلاني ج ب م
حين أمسك القلم وأخط بدموعه معاناتي، خبراتي، أفراحي، أحزاني، مشاعري وأفكاري، أشعر بحرية ما بعدها حرية… حرية الفكر من عبودية التقاليد، وحرية المشاعر من سجون المادة…!
حين أمسك ريشة الرسم وأزين بألوانها صفحات الحياة، أُظهّر ذاتي بأنفاسها ونبضاتها، بحركاتها وأمواجها، بهدوئها وصخبها… أشعر بالحرية، حرية الذات من قضبان الأنا، وحرية الخيال من قبضة الرتابة والتقليد واللزومية…!
وحين ألامس أصابع البيانو، وأداعب سكونها الهاجع بين خفايا الأبيض والأسود، تصدح أنغام، إيقاعها نبضات قلبي، وموسيقاها غبطة روحي… فأحيا حرية لا تضاهيها حرية. حرية روح انعتقت من حدود المكان، وحرية وجود تفلّت من قيود الزمان…!
الحرية تنعم بدفء الروح، وتهجع في أعماقها
حين أبصر طائرًا يرتفع في الفضاء الشّاسع، محلّقًا نحو أفق النور… أو أرى فراشة ترتشف رحيق زهرة، وتستحم بعبير بنفسجة…
حين أرقب غديرًا يدغدغ حصًى ظنّت أنّها تقف في طريقه… أو أشاهد شعاعًا ينطلق من قلب الشمس… يمتد ويتمدد ولا يتوقف، يخترق الأماكن والأزمان مكملًا طريقه، باثًّا دفئه من دون أن يفقد حرارته…
حين أرى متسلّقًا يتصعد في جبل، القمة تناديه والوصول يتوق إليه، تتجرح يداه، فيمسح دماءه ومعاناته، ويتابع الصعود نحو تلك القمة الشمّاء…!
حين أشاهد كل هذا، أشعر بالحرية… تلك الحرية التي تنعم بدفء الروح، وتهجع في أعماقها، ولا تتركها مخافة الفراق، أو ربما مخافة عدم اللقاء بعد الفراق. لا أدري! لكنها الحرية…!
حين أرقب الحياة تنبض في قلب كل مخلوق، تنبض في صميم الطبيعة وفي كل مكان، أشعر بحرية ما بعدها حرية…!
الحرية هي شعور الحياة الذي ينبض في عروق كل كائن ومخلوق
قالوا في الحرية كلماتٍ وأوصافًا… نظموها في قصائد وأبيات… تغنوا بها، طالبوا بها، ناشدوها، حاكوها، توسلوا إليها… اقتتلوا باسمها، تاقوا إليها، رفعوها، قدسوها… لكن مفهوم الحرية منهم براء…!
فالحرية لا تؤخذ ولا تعطى. الحرية لا تُرى ولا تُمسك، الحرية هي الحياة. هي شعور الحياة الذي ينبض في عروق كل كائن ومخلوق. هي هنيهات السعادة التي يحياها كل إنسان!
الحرية هي أن تشعر بالحرية، إن كنت أسيرًا في سجن، أو متنزّهًا في الطبيعة…!
الحرية هي أن تتحسس الحرية، وأنت تتعمق في فهم نفسك…
فالحرية هي جمال الإبداع، وألوهية الكمال…
الحرية تشرق من الأعماق
أشعر بالحرية، كلما فكرت بالحرية… كلما أفكر في الخالق والمخلوق… كلما افكر في محبة الخالق، في نظام الخالق، في أسرار الكون، في خفايا الإنسان، في غوامض الوجود ومجاهل الطبيعة… أشعر بحرية تشرق من أعماقي، وتنير كياني، وتدفئ أوصالي…
وكلما أشعر بالحرية، أستشف مشاعر روحية سامية تتمدد من ذاتي، ربما إلى حيث الوجود الإلهي القاطن في الأعماق… … …
رائع يا معلم