هل تكرار الولادات على الأرض واقع أم وهم في منظار علوم الإيزوتيريك؟!
مقابلة صحفية مع الدكتور جوزيف مجدلاني في جريدة الشرق الغراء
الى مَن لم يتسن له التعرّف بعد الى علوم وعي باطن الإنسان – الإيزوتيريك، والى كل من تعرّف إليها وينتظر جديدها بشغف، سننطلق سويًا في عباب هذه العلوم عبر حوار مميز أجريناه مع مؤسّس مركز علوم الإيزوتيريك في لبنان والعالم العربي، الدكتور جوزيف مجدلاني. إضافة الى المحاضرات الأسبوعية المجانية التي يلقيها في مركز علوم الإيزوتيريك في الحازمية، لدى الدكتور مجدلاني أكثر من تسعين مؤلفًا بست لغات حتى تاريخه في مواضيع إيزوتيريكية مختلفة ومتنوعة تتمحوّر حول الإنسان لترتقي به على معارج الوعي والتفوق في الوعي.
’تكرار الولادات على الأرض أو التجسّد ، واقع أم وهم؟!‘ هو من أكثر المواضيع التي تثير فضول كل باحث… ولهذا لجأنا الى الدكتور جوزيف مجدلاني نستعلمه عن هذا الموضوع، وكان لنا معه الحوار الآتي:
س- قبل أن نبحث في موضوع “التجسّد”، هل لكَ أن توضح لنا الطريق الى معرفة باطن الإنسان؟ وهل إنتهاجها يعني التخلي عن الحياة المادية؟
ج- بقدر ما لدى المرء ميل الى المعرفة، بقدر ما تَفتح له المعرفة قلبها… وبقدر ما يعتقد أنّ الباطن هو الأصل والظاهر إنعكاس، وبقدر الصدق مع النفس والطموح الى الإنفتاح والتوسع في الشؤون الحياتية والمعيشية، بهذا القدر يكون الإنسان قد قطع ثلاثة أرباع الطريق الى حقيقة المعرفة الدفينة… وتبقى تفاصيل أخرى يلمّ بها عبر الممارسة في الشؤون الحياتية.
فالإيزوتيريك طريقة حياة عملانية في مفهوم واسع متوسّع… تربط المنظور باللامنظور والظاهر بالباطن. من الخطأ الظن أنّ الإيزوتيريك منهجية ابتعاد عن الحياة المادية، بل هو ترويض المتطلبات والرغبات واستبدال الصفات السلبية ببديلها الإيجابي… هو درب وعي، بل عِلم الوعي؛ والوعي لا يتفتّح إلا مع الناس وبين الناس… وإلا فلن يتعلّم الإنسان من أخطائه، ولا يتابع على المنهج السليم.
أهم ما يعلمه الإيزوتيريك هو تقوية الفكر وبناء الشخصية القوية المُحبَّة والمحبوبة… وهذا ما لا تدرِّسه الجامعات ولا يفطن إليه علم النفس. إنه بإختصار طريقة حياة كاملة متكاملة تساعد المرء على تطوير وعيه والارتقاء بعيشه من خلال تحقيق التوازن بين الباطن اللامادي والظاهر المادي.
”بقدر ما لدى المرء ميل الى المعرفة، بقدر ما تَفتح له المعرفة قلبها“.
س- معلومٌ أنّ الملتزم بالإيزوتيريك يتطلّب منه دراسة ذاتية عبر مناهج علمية نفسانية تطبيقية. ومن المحتمل ألا تكتمل مرحلة الوعي عنده في دورة حياة واحدة، بل تتعداها الى ثانية وثالثة وربما أكثر. فهل هذا يعني أنّ العودة الى التجسّد حقيقة في عِرف الإيزوتيريك؟ وما هي الإثباتات على أنّ التجسّد حقيقة وليست وهمًا؟
ج- سؤالك أجاب عن نفسه بنفسه. إذا لم تكتمل مرحلة الوعي في حياة واحدة، فهذا دليل أكيد أنّ المرء سيُكمل حَصْد ثمار ما إبتدأه وما عمل عليه في مسيرة وعيه… فالإيزوتيريك يؤمن أنّ الإنسان سائر الى تطور مستمر، وما العودة الى التجسّد إلا للارتقاء الى وعي أسمى ومفهوم أشمل يجاري التطور الدائم.
الإيزوتيريك يشرِّع أمام الباحث باب الوعي الى طوايا النفس، لتوعيته الى مكنوناته الخفية، وأسلوب الافادة من مقدراتها في شتى الحقول. فهو حين يطرح موضوع التجسّد، يطرحه من زاوية موضوعية بأسلوب المنطق العلمي التحليلي الذي لم يسبق لأحد أن خاضه من قبل! ولا عجب في ذلك طالما أنّ الإيزوتيريك يبحث بتجرد عن المعرفة المؤدية الى الحقيقة – الحقيقة التي سيعتمدها المرء مقياسًا حال التحقق منها ذاتيًا.
في عِرف الإيزوتيريك، الانفتاح على كل شيء هو ميزة الإنسان الواعي، والاختبار الذاتي يولّد الاقتناع الصادق… فليس المهم بعد ذلك إن قبل المرء بالشيء، أو رفضه. الأهم أنّ الاستنتاج جاء وليد الخبرة الشخصية، التي يصبو كل إنسان الى الاغتناء بها.
س- إن كان التجسّد حقيقة والإنسان كان حقًا موجودًا في دورات حياتية سابقة على الارض، أمَا كان تذكَّرَ ماضيه؟
ج- أشكرك على سؤالك واسألك بدوري: كم يتذكر الإنسان من حياته الحالية؟ أنت شخصيًا وبتجرّد كلي، هل تتذكر أحداث طفولتك، تفاصيل أيام المراهقة، أو حتى ما مرّ معك من أحداث في الشهر الماضي؟ من هنا، تستنتج أنّ الإنسان لا يتذكر من حياته الحالية سوى شذرات ضئيلة تكاد لا تتجاوز العشرة في المئة من الحياة التي يعيشها. هذا إذا كان يتمتع بذاكرة قوية.
فإن كان الإنسان لا يتذكر معظم تفاصيل حياته الحاضرة، كيف له أن يتذكر وجوده السابق على الأرض؟ علمًا، أنّ هذا لا يعني أنّ جميع الاشخاص يفتقرون الى مقدرة التذكّر. فالطبيب الكندي إيان ستيفنسون كان أستاذًا في علم الطب النفسي ومديرًا لقسم الدراسات الشخصية في جامعة فرجينيا. وقد دوّنَ في كتابه ’الاطفال الذين يتذكرون حياتهم السابقة‘ عدة مقابلات أجراها مع أشخاص استطاعوا تذكر حيواتهم السابقة… وهناك مؤلفات وأبحاث كثيرة في هذا المضمار. هذا من دون أن ننسى أنّ هنالك الملايين من شعوب أميركا وأوروبا (ناهيك عن سكان الشرق الأقصى) التي تؤمن بالتجسّد كحقيقة لا شك فيها.
”إن كان الإنسان لا يتذكر معظم تفاصيل حياته الحاضرة، كيف له أن يتذكر وجوده السابق على الأرض؟“
س- كيف يربط الإيزوتيريك قانون العدل الالهي أو نظام الوجود بالتجسّد وكيف يفسره؟ وهل تلتقي هذه التفسيرات مع العلوم الاكاديمية؟
ج- العودة الى التجسّد إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها علوم الإيزوتيريك كما أجبتك سابقًا، وذلك لإزاحة النقاب عن كل مجهول في الحياة. إذ إن غوامض قانون العدل الالهي وخفايا النظام الطبيعي لا يفهمان منطقيًا، ولا يُدرك مفعولهما عمليًا من دون استيعاب فحوى العودة الى التجسّد.
إنّ الاشخاص والعلماء الذين ينفون واقع التجسّد، نراهم الأقرب الى التساؤل عن امكانية وجود “فوضى إلهية” منتشرة بين البشر! أولئك يعتبرون أنّ هنالك ظلمًا في النظام وفي الوجود برمته. ولهذا، قد ينسبون أحداث الحياة بما تتضمن من سعادة أو شقاء، صحة أو مرض الى الصدفة والحظ والعشوائية…
الإيزوتيريك يقولها على الملأ إنّ لكل شيء نظامًا في هذا الكون يسير بموجبه. ولولا وجود هذا النظام، لكانت اصطدمت الكواكب بعضها ببعض، وامحّى الكون!
إذًا، الوجود ككل قائم على نظام معين. وهذا النظام يوجزه العلم بقانون السبب والنتيجة. ويبدو أن العلم، بمجمل فروعه قد التقى مع الإيزوتيريك حول هذه النقطة الجوهرية.
من هذا المنطلق، يطرح الإيزوتيريك بعض الاسئلة: إذا وُلد طفل ما بعاهة جسدية معينة، فما هو السبب وراء ذلك؟ هل هو فوضى طبيعية؟ هل هو عشوائية وجودية؟ أم أنّ هذا الخلل أشبه ’بخطأ مطبعي‘ يتوقف إزاءه العلم حائرًا؟
من هنا يفترق الإيزوتيريك عن العلم، لأنّ هذا الأخير يتوقف حائرًا أمام هذه الحلقة المفقودة، فيعزو الخلل الى فوضى تتخلّل النظام. ويعود الإيزوتيريك ليسأل: لماذا يصيب هذا الخلل الكائن البشري؟ ولماذا لا يطال الكواكب والشموس والمجرات؟
يجيب الإيزوتيريك عن هذه الحلقة المفقودة ليوضح أنّ المادة تشكل عشرين في المئة تقريبًا من حقيقة عالم الوجود الإنساني. أما الثمانون في المئة التي تكوّن اللامادة، فهي التي تحوي الأسباب والحقائق الكبرى التي ما فتىء العلماء يبحثون عنها في نطاق المادة فقط!
”الوجود ككل قائم على نظام معين“.
العلم يؤكد أنّ الإنسان يستعمل ما بين خمسة الى عشرة في المئة فقط من مقدرات دماغه. والإيزوتيريك يقول إنّ قسم من هذه الخلايا يعمل كخازن لوعي الباطن… فوعي الباطن هو الذي يحوي ذاكرة تجسّدات أو حيوات الإنسان السابقة على الأرض. وقد اكتشف العلم النفسي مؤخرًا فقط وجود وعي الباطن على يد رائد علم النفس، سيغموند فرويد من دون أن يحدد مكانه ومن دون أن يدرك حقيقته كاملة. علمًا أنّ كارل يونغ، تلميذ فرويد والباحث في علوم البواطن الإنسانية، كان قد تبحر في هذه المعرفة بفضل تنقلاته بين معاهد الشرق الأقصى القديمة، وغدا من المؤمنين بتكرار العودة الى التجسّد، وغيره كثيرون.
وعي الباطن هو مقدرة خفية كامنة في كيان الإنسان الداخلي، وبالتحديد في أجسامه الباطنية أو أجهزة وعيه أو مكوّناته الخافية كالحقل الأثيري (Aura) الذي يلفّه من كل جانب. مع العلم أن هذه الأجسام الباطنية عددها ستة… سابعها الجسد المادي الذي يضمها جميعًا والتي تشرح تفاصيل ماهيتها وكيفية عملها مؤلفاتنا وخاصة كتابي بعنوان ’علم الالوان (الاشعة اللونية الكونية والإنسانية)‘. وهذا الكتاب نشر في الانكليزية تحت عنوان ’The Science of Colours: The Cosmic and Human Colour Rays‘ .
فوعي الباطن هو المقدرة الداخلية على الاحتفاظ بجميع المعلومات والأحداث التي مرت بالكائن البشري أثناء دوراته الحياتية على الأرض. هذا ما اختبره الإيزوتيريك وما قام كل ملتزم بدرب المعرفة بالتحقق من محتوياته بنفسه عبر دروس خاصة تتضمن تمارين عملية. فهل من دليل أقوى من ذلك الذي يحصل عليه الإنسان بنفسه، لا الذي يُقدَّم إليه من قبل الآخر؟
فالمعضلة الأساس التي يقف عندها العلم أنه يبحث في الذاكرة الحالية الحاضرة عن تلك الدورات الحياتية السابقة، ويتوقع من هذه الذاكرة الحياتية المحدودة دليلًا قاطعًا على صحة العودة الى التجسّد.
س- ذكرتَ أن هنالك تمارين خاصة يتلقاها المنتسبون الى مركز علوم الإيزوتيريك، فهل لهذا شروط يجب أن يستوفيها المنتسب قبل ممارستها؟
ج- التمارين التي تقدمها علوم الإيزوتيريك للملتزمين تمكّنهم من الولوج الى وعيهم الباطني والتعرّف الى ذواتهم والتحقق من ماضي وجودهم على الأرض… وكي يتمكن الملتزم من ممارسة هذه التمارين والنجاح فيها، الزامي أن يكون هدفه صافيًا نظيفًا ومعرفيًا. بمعنى أن يرتكز الهدف على فهم النفس من خلال فهم الماضي كي يقوّم المرء ويصحح أي مسلك حياتي خاطئ ما زال يُمارس في الحياة المعاشة… فالملتزم يدرك أنه لا يمكنه القيام بتمارين وعي الباطن حبًا بالاستطلاع، بل حبًا بالفهم وسعيًا لرفع مستوى الوعي من خلال ما يتكشف له من حقائق… والملتزمون يدركون أن درب الوعي ترتكز على تنظيف تربة النفس من السلبيات، وهذا ما يتطلب صدقًا وجهدًا ومثابرة في التطبيق العملي ومراقبة النفس، خاصة وأن وعي الباطن إن تفتَّح على وجود السلبيات، فذلك سيؤدي بصاحبه الى نتائج ضارّة وردات فعل عكسية مضاعفة.
س- كيف تفسر علوم الإيزوتيريك الوراثة علميًا ومن منطلق يقينها بالعودة الى التجسّد؟
ج- الإنسان عبر تجسّداته الحياتية المتكررة على الأرض، يكتسب العديد من العلوم والمعلومات، مثلما يكتسب الكثير من السِمات والطباع والمناهج الفكرية… فكل هذه الاكتسابات تُسجّل في وعيه الباطني عبر ذبذبات لا منظورة… مثلما هي الحال عند تسجيل معلومات على قرص مدمج… فوعي الباطن أشبه بهذا القرص حيث تُسجَّل فيه وتحفظ كل ما اكتسبه المرء في حيواته السابقة.
وكما أنّ القرص المدمج يعيد بث ما تسجل عليه حين يوضع في الكمبيوتر، كذلك الأمر مع وعي الباطن. فالمعلومات المُسجلة على القرص، عند ادخاله الى جهاز الكمبيوتر، تعود لتتحوّل من ذبذبات مسجلة هادئة ساكنة الى ذبذبات متحركة يستطيع المرء مشاهدتها على الشاشة وسماع أو قراءة مضمونها.
”جينات الوراثة تعتبر صلة الوصل بين عالم الباطن وعالم الظاهر“.
الأمر نفسه يحصل في داخل الإنسان. فالذبذبات المسجلة في وعيه الباطني بعد أن يعود الى الأرض، تتحوّل الى سِمات وصفات تشكّل شخصيته وتعطيه هويته التي يتفرد بها عن الآخرين… إنما الفارق الوحيد هنا، أو الحلقة المفقودة، هي في جينات الوراثة (DNA) . فالذبذبات المخزونة في وعي الباطن، في ذلك العالم غير المنظور يجب أن تمر بمرحلة تحوُّل كي تخرج الى العالم المنظور… هذا التحوُّل يحصل في جينات الوراثة التي تعتبر صلة الوصل بين عالم الباطن وعالم الظاهر. وهذا ما يفسر الفروقات التي نجدها بين الاخوة من الوالدين نفسيهما.
باختصار، إنّ كل ما كان قد اكتسبه المرء في دورات حياتية سابقة قد تسجل في وعيه الباطني الى أن يعود ليتجسّد مجددًا على الأرض.
من هنا، يقول الإيزوتيريك إنّ المرء يرث حوالي 60% من نفسه، أما النسبة المتبقية فيرثها من الوالدين والمحيط.
س- الحوار معك شيق ويحرك شغف داخلي عفوي للنهل أكثر وأكثر من هذه العلوم. فهل من كلمة أخيرة؟
ج- موضوع “التجسّد” يعتبر بمثابة دراسات عليا في مركز علوم الإيزوتيريك. ولهذا مهما قدمت لك من شروحات، لا يمكن أن تستوفي النذر اليسير من حقيقة هذا الموضوع الشائك الذي يحير كل إنسان على الأرض. ولهذا قدمت في معظم مؤلفاتي شروحات وافية عنه، خصوصًا في كتابي ’العودة الى التجسّد… واقع ام وهم؟!‘ الذي ترجم أيضًا إلى اللغة الانكليزية. فالإيزوتيريك هو علم ذاتي تطبيقي متكامل، وُجد من أجل الإنسان ظاهرًا وباطنًا، ومن أجل تطوير حياته ووعيه وكيانه. ومن البديهي أن يبحث كل إنسان عن مصلحة نفسه لتحقيق الأفضل في حياته. فهل من أحد يكره التطور أو يسعى إلى نقيضه؟!