عملية التنفّس وتأثيرها بالنّفْس
بقلم المهندس زياد دكاش
في اللحظة التي تفصل حدود اليقظة عن النوم العميق، في تلك الهنيهة الخاطفة التي تسبق انعتاق النفْسِ في فضاء الأحلام، تكتـنف الشخص النائم حالة سكون، يتولى فيها وعي الباطن زمام الأمور. أما الجسد فيشهد حركة متباطئة لاإرادية في نبضات القلب وتماوج الرئتين… تُحضِّر النفس لتغوص في عالم الباطن، بعد أن ثَمِلت بهباتٍ من أثيره… غريبة أنفاس الشخص النائم وهي تتباطأ، إلى أن تندثر منها آخر ومضة إرادية، فتصبح تحت سيطرة الجهاز اللاإرادي… سفير وعي الباطن في الجسد. ترى، ما الذي يتحكم في عملية التنفس خلال النوم وفي معظم أوقات اليقظة؟ هل تلك الميكانيكية الضرورية لاستمرار الحياة هي رهن رسائل الدماغ – هذه الكتلة العصبية المادية؟ ثم ما هو تأثير التنفّس على النَّفْس، عدا أنه يؤمن الأكسوجين لأعضاء الجسد والخلايا؟
للإجابة عن تلك الأسئلة، سنبحث أولاً في ماهية النَّفَس ودور التنفس على الصعيدين المادي والباطني…
ماهية النَّفَس ودور التنفّس
يفيد علم الأحياء (أو علم نشوء الحياة – البيولوجيا) أن الهواء الذي نتنشقّه، يحتوي على الأكسجين والكربون والنيتروجين وعناصر أخرى تتواجد في نسبٍ ضئيلة. والهدف الأساسي الظاهري من عملية التنفس هو إنتاج الطاقة الكيميائية التي يحتاجها الإنسان من خلال اندماج وتفاعل الأكسجين مع المواد الغذائية. هذه الطاقة الكيميائية ضرورية للقيام بالوظائف الحيوية والحركة والنمو والمحافظة على درجة حرارة ثابتة في الجسد… لكن هل تلك الطاقة الكيميائية هي الظاهرة الوحيدة على مسرح الجسد أم أنها تطوي وراء ستارها أبعاداً خيميائية تنشط اللامرئي في الكيان؟!
”الإنسان يحتاج إلى طاقة حياة معروفة قديماً باسم برانا Prana“
لنجيب على هذا السؤال، علينا أن نتوغّل في ما وراء ستارة الجسد، لنضيف إلى تلك المعلومات العلمية الظاهرية النواحي الباطنية الخافية، حتى تتجلّى الصورة كاملةً. تفيد علوم باطن الإنسان – الإيزوتيريك أن الإنسان يحتاج إضافة إلى الأكسجين والطاقة الكيميائية، إلى طاقة حياة معروفة قديماً باسم “برانا Prana” يستمد منها، من جملة ما يستمد، قوة البقاء والاستمرارية. تشرح علوم الإيزوتيريك أن تلك الطاقة الكونية متواجدة في الفضاء اللامحدود وهي تتجسد في الكون تحت اسم ’الوجود‘، وعلى الأرض تحت اسم ’الطبيعة‘، و في الانسان تحت اسم ’الحياة‘.
طاقة البرانا هي غذاء للنفس
تتواجد كمية من طاقة البرانا هذه في الهواء الذي يتنشقه الإنسان. وتتوزع في كلّ أنحاء الجسد، لا بل في كل أرجاء الكيان المادية والباطنية. أما انتقاصها فيؤدي إلى حالات تعب أو مرض، وإلى ضعف في التركيز والقوى العقلية. تفيد علوم الإيزوتيريك في كتاب “غذاء الجسد متى يكون تغذية للنفس!” إعداد الدكتور ج. مجدلاني، أن طاقة البرانا تشكّل غذاءً للأجسام الباطنية (الأبعاد أو الهالات الخفية واللامادية في الإنسان)، ولا سيما الجسم العقلي (العقل). والإنسان، بوجه عام، لا يعي القوى الباطنية التي تساعد العقل على الإنتاج والابتكار بطريقة متطورة مبدعة. علماً أن الشخص المتطور باطنياً يمارس تقنية تنفس معينة تضيف إلى غذائه مقداراً من الحيوية التي يجتذبها من الأجواء العالية ومن مصادر الطاقات الطبيعية الغنية بعنصر “البرانا” والهواء النقي. وهذا أحد الأسباب التي تجعل رجال المعرفة يقصدون الجبال العالية من حين إلى آخر، ليستقون من تلك الطاقة. علماً أنه كلما ارتقى الإنسان وعياً وشفّت أجسامه الباطنيّة، أضحت هذه الطاقة وقوداً لنشاطه الباطني. ولا عجب أن طلاب المعرفة المتطورون يقومون بتأملاتهم وبمهماتهم الباطنية في الليل، بعيداً عن الضجيج، في وقت تتدفق فيه هذه الطاقة بكثافة من طبقات الهواء العليا، قبيل منتصف الليل وحتى الفجر (خصوصاً في الشتاء).
تأثير النَفَس في النفْس
نلاحظ أن الحياة تنتفي من الجسد عند الانقطاع الطويل عن التنفس وعن استنشاق طاقة الحياة، إذ أن تلك الطاقة، والطاقة الكيميائية التي تتولد جراء عملية حرق الاكسجين، تُبقي أجسام النفس الباطنية (الهالات الذبذبية) متماسكة في الجسد، وتربط بين مكوّنات الإنسان جمعاء، كما تحافظ على استمرارية عمل القلب والأعضاء اللاإرادية، ليتمكن الإنسان من البقاء حياً على الأرض.
في أوقات التأمل العميق، كما في ساعات النوم، ينخفض نمط التنفس ومعدل احتراق الأكسجين في الجسد ويكتفي الكيان بطاقة الحياة وقليل من الطاقة الكيميائية، وكأن الطاقة الخيميائية أو الباطنية تستيقظ فعلياً عند سكون الطاقة الكيميائية! هناك أمر آخر مثير للاهتمام هو ظاهرة حبس النفس أو تباطئه، عند انتظار خبر معيّن أو عند لحظات الاستلهام… وكأن الإنسان يلجأ لاشعورياً إلى تلك الحالة الباطنية، إلى ذلك الصمت الجسدي جراء تباطؤ التنفس، ليتلقّف الخفي في قرارة نفسه!
في كيان الإنسان قنوات ذبذبية لامادية تسري فيها ذبذبات الوعي والطاقة وتتصل بالأبعاد الخفية اللامادية. كما وهناك قنواتٍ أخرى هوائية فارغة، يستمد منها مكنونات طاقة الحياة التي يتعذّر عليه أن يتشرّبها من قنوات الذبذبات الخالصة، في حالة جسده الكثيف المادي. لقد وُجِدَتْ هذه القنوات الهوائية مع وجود الازدواجية في الإنسان، وانعكست هذه الازدواجية في عملية التنفس التي تتّسم ظاهرياً بالحاجة إلى الأكسجين، وباطنياً بحاجة الشاكرات (مراكز الوعي في الإنسان) والكيان الداخلي إلى طاقة الحياة. وهكذا، بين الحاجة الجسدية الظاهرة والحاجة الباطنية، باتت الواحدة تستحث الإنسان لاإرادياً ليلبي حاجة الثانية في عملية تآرز دقيق جداً وبغاية الانسجام.
من هنا نفهم أثر الحالة النفسية على عملية التنفس، جراء حاجة الإنسان إلى كميات مختلفة من طاقة الحياة عندما تعتري النفس حالات مشاعريّة أو فكريّة استثنائيّة. مثال على ذلك اختلاف نمط التنفس في حالة الخوف أو التعصيب أو الفرح الشديد… وأيضاً “تنفس الصعداء” في حالات أخرى… أو النفس العميق عند القيام بتركيز قوي، وغيرها من الظواهر التي تحدث لاشعورياً، أو لاإرادياً. لذلك، إن سبب ارتباط سرعة نبض القلب وعدد الأنفاس بالحالة النفسية ليس اعتباطياً، كون نظام الجسد، لا سيما نظام التنفس، وجد ليتوافق مع حاجة الكيان الباطنية والنفسيّة لطاقة الحياة وما تحويه من ذبذبات وعي لتسيير الأعضاء اللاإراديّة… خصوصاً في تلك الحالات النفسيّة التي تتعدى نطاق سيطرة النفس ووعي الظاهر، وتخضع لارشاد وعي الباطن…
الطب ينسب هذه الاختلافات في نمط التنفس (عند اختلاف الحالة النفسيّة)، إلى رسائل الجهاز العصبي اللاإرادي في قسميه “السبثماوي” و”الباراسبثماوي” (Sympathetic and the Parasympathetic). حيث الأول يؤدي إلى زيادة معدلات النشاط الفسيولوجي (كسرعة التنفس وغيرها…) لمواجهة متطلبات الحياة العادية والطارئة أثناء النهار، فيما الثاني (الجهاز الباراسبثماوي) يعمل على إعادة التوازن ومساعدة الجسم على الراحة في الليل، بعد النشاط والتعب) حسب موسوعة بريتانيكا Britanica). هنا، تبان لنا مرة أخرى حكمة الخالق، حيث أن هذين الجهازين يعملان في ازدواجية وفي اتجاه مضاد لتأمين الاتزان البيولوجي في الجسم. علماً أن رسائل هذين الجهازين ونظام عملهما، ليست منوطة برسائل الدماغ فقط بل أيصاً برسائل النفس الذبذبية ونظام عملها.
الوحدة والازدواجية
إن الوحدة من صفات عالم الروح، فيما نظام الجسد يتّصف بالازدواجية. نلاحظ هذه الازدواجية أيضاً في عملية الشهيق والزفير، وفي شطري الرئتين، وفي تركيبة الأكسجين، كما في حركة اتساع القفص الصَّدريُّ عند الشهيق وانكماشه عند الزفير، وغيرها من الازدواجيات التي تسود في نظام الجسد.
من الملاحظ أن عضلة الحجاب الحاجز (diaphragm) وهي أهم عضلة (في نظر العلم) بعد عضلة القلب، تفصل بين القسم الأدنى من الجسد (مركز النفس الدنيا)، والأعلى- مكمن الذات العليا. هذا والرئتين في الصدر تشكلان نصف دائرة، على عكس الشكل الشبه دائري في الرأس والقلب. كون الرأس والقلب يكتملان بالمراكز الباطنية التي على موازاتهما (الشاكرات)، فيما الرئتين، تبقيان غير مكتملتين من دون الناحية الباطنيّة.
انطلاقة النفْس في التأمل أو النوم
إذن، يبدو أن النَّفَس، بالإضافة إلى العملية الكيميائية والبيولوجية، يتسم ببعدٍ خيميائي باطني، وبارتباط مباشر بالنَّفْس وبنَفَس الحياة.
انطلاقة النَّفَس من الصدر، ترتبط بالمحبّة، كون موقع الرئتين على موازاة شاكرا جسم المحبة والقلب. من هنا كانت حاسة الشم الباطنيّة ترتبط بجسم المحبة عبر شاكرا القلب…
في سفر التكوين (2: 7) ورد التالي: “… ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حيّة”. ولا عجب في أن لفظة “روح” ولفظة “حياة” تشبهان وقع النَّفَس وهو يخرج أو يدخل الرئتين. وأن أحرف كلمة نَفْس تكوّن أيضاً كلمة نَفَس، بعد تحوّل السكون على الفاء إلى حركة، علماً أن النَّفَس هو أساس تحوّل الحياة في النَّفْس، من حالة سكون إلى حالة حركة في عرف المادة.
”جسد الإنسان يتنفس من طاقة الأجسام الباطنية ومن أنفاس الحياة.“
لعلّ انطلاقة النَّفْس في التأمل العميق أو في النوم إلى العوالم الماورائية، تشبه انطلاقة النَّفَس من الرئتين في عملية الزفير. وفي سبيل المقارنة الرقمية، إذا كان معدل حياة الإنسان 72 سنة، فذلك يعني أن انطلاقة النَّفْس في النوم تتكرر حوالي 72×360= 25920 مرة كمعدّل في حياة واحدة على الأرض. إذا اعتبرنا أن معدل التنفس في اليوم الكامل 18 نفَس في الدقيقة (كما تحدده بعض المراجع العلميّة)، يكون عدد الأنفاس 18x60x24= 25920 نفس في اليوم (وهو الرقم نفسه). إذاً عدد الأنفاس في يوم واحد يساوي تقريباً عدد انطلاقة النفس ليلاً في حياة كاملة. وهذا الرقم أيضاً هو عدد السنين التي تدور فيها الأرض دورة كاملة حول محورها (25920) وتدعى بالسنة الأفلاطونية، وهي توازي أيضاً عدد السنين في دورة العصور.
صحيح أن هذه الأرقام تقريبيّة، ويمكن أن تختلف بين شخص وآخر، إلا أننا اذا تمعنا في تلك الحقائق، نستشف كيف تربط معادلات الأرقام بين حركة الرئتين وباطن الإنسان ونظام الشمس والكواكب، وكيف تخضعها لمعادلات موحدة. إن الأرض تتنفس، لتكرير الجو والطاقة الذبذبية فيها… والطبيعة بأكملها تتنفس، كل كائن حي يتنفس، وكل خلية فيه تتنفس. وجسد الإنسان يتنفس الأكسجين، كما يتنفس من طاقة الأجسام الباطنية ومن أنفاس الحياة. كلّ ذلك يخضع لمعادلات موحَّدة، تنعكس في كل نَفَسٍ يسبح في فضاء الكون، وفي نَفَس الكون الذي يصدح في فضاء الإنسان. صدق الإمام علي (عليه السلام) في قوله “أوتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر!”
ما الذي يسيّر عملية التنفس
يفيد الطب بأن النخاع المستطيل (وهو جزء من النخاع الشوكي مكانه قاع الجمجمة من أسفل) يتحكم بعملية التنفس، ويتألف مركز التنفس فيه من خلايا عصبية تنظم عملية الشهيق وأخرى تنظم الزفير. كما تنتشر مستقبلات حسية في الأوردة السباتية في العنق (أي على موازاة شاكرا الحلق او البلعوم) وفي الشريان الأبهر الصدري للمساهمة بتنظيم عملية التنفس. يتصل النخاع المستطيل أيضاً بالجسر وهو قسم آخر من جذع الدماغ الذي يؤمن التناغم في عملية الشهيق والزفير ويساعد في تنظيم التنفس.
إذن حسب الطب، الدماغ والأعضاء المادية هي التي تسيّر عملية التنفس. هذا صحيح على الصعيد العضوي أو الظاهري، إلا أنه ليس مكتملاً. فعملية التنفس، في غاية الأهمية لاستمرار الحياة ولا يمكن أن تكون رهن عمل عضو مادي فقط.
إن ما يعتري الإنسان من مشاعر وخبرات نفسية وروحية لا يحدث جراء تفاعلات رسائل الدماغ المادية بل تلك الرسائل العصبية ليست سوى انعكاس لما هو غير مادي وراء ستارات الجسد المادي. مقالة “علم الأعصاب الديني والنشوة الروحية” بقلم عبد الرسول محمد في عدد 44 من مجلة الأبعاد الخفية تناولت هذه المسألة وذكرت أن: “العمل المخبري تركز فقط على الجانب المادي وعلى قياس تغيّرات الدماغ دون مراعاة لأية متغيرات أخرى في الموضوع على الرغم من أهميتها”.
على العلوم أن تعتبر في أبحاثها كامل مكونات كيان الإنسان لتكتمل الصورة وتبان الناحية الباطنية أيضاً من عملية التنفس. من هنا، يجب اعتبار أبعاد الأجسام الباطنية الذبذبية التكوين وعمل مراكزها (الشاكرات chakras)، وهذا العمل ينعكس ظاهرياً في عمل الدماغ والرئتين. من هذا المنطلق نوضح النقاط التالية:
أولاً
وكما أشرنا سابقاً، إن التنفس يؤمن، من جملة ما يؤمن، طاقة الحياة “برانا” وهي طاقة لامادية، لذا لا يمكن أن تتحكم فيها الأعضاء المادية.
ثانياً
تتصل تلك الطاقة بالجسم العقلي خلال عملية التنفس، إذ تنجذب عناصر الهواء مغناطيسياً إلى شاكرا الحلق (المركز الباطني للجسم العقلي)، حيث تجري غربلتها وتنقيتها بطاقة لتتوزع إلى أعضاء الجسد كما يشرحها كتاب الإيزوتيريك “علم الألوان (الأشعة اللونية الكونية والإنسانية)” في صفحة 213، بذلك تخضع طاقة الحياة في النفس لبرنامج وعي محدد في مراكز الوعي (الشاكرات)، ويلعب الجسم العقلي دوراً مهماً في تشرب تلك الطاقة وتنظيم حاجتها.
ثالثاً
في عملية التنفس، تدخل الطاقة عبر التنفس لتزود الكيان بالحيوية واستمرار العيش، لكن ذلك الغذاء الباطني لا يبقى رهن سيطرة الدماغ وحده، ولا حتى رهن عملية التنفس فقط، إذ تدخل طاقة الحياة أيضاً من الغدة النخامية إلى الشاكرات لتسيّر الأعضاء اللاإرادية وبالتالي تتحكم حتى بعمليّة التنفس! لذلك حتى في حالة الغيبوبة، لا يبقى كيان الإنسان من دون ذلك الغذاء الحيوي، إذ تدخل طاقة الحياة من خلال الغدة النخامية.
”على الإنسان أن يعرف كيف يتنفس لتكون هذه الحياة نَفَسَ وعيٍ في كيانه وطاقة غذاء لباطنه…“
وعي عمل الأعضاء اللاإرادية والمعادلات الرقمية
طاقة الحياة تؤمن برنامج عمل الأعضاء اللاإرادية في الجسد. فبالرغم من عدم تمكن إرادة النفس الظاهرية من النهل من طاقة الحياة وبرنامج عملها، لم يُتْرك الإنسان، بل مَدّته الذات العليا بتلك الطاقة، لاإرادياً أو لاوعياً من النفس الدنيا… إلى حين يتفتح وعي الإنسان وتستيقظ إرادته الجبارة… فالإنسان يستطيع أن يتحكم بأعضائه اللائرادية، متى تطور في الوعي وارتقى فوق درجة تذبذب هذه الطاقة. فمحتواها لا يقتصر على الصحة والحيوية فقط، بل على معادلات ذبذبية…
أخيراً نستنتج أن على الإنسان أن يتنفس لتستمر الحياة، ولكن عليه أيضاً أن يعرف كيف يتنفس لتكون هذه الحياة نَفَسَ وعيٍ في كيانه وطاقة غذاء لباطنه…
في مراقبة عملية التنفس واختلاف وقعها على النفس، يتمدد الوعي إلى هذه العملية اللاإرادية، ليضيف إليها حسّ الإرادة وييساعد على تشرب طاقة الحياة في الكيان، في كل خلية وذبذبة في الإنسان. علماً أن التنفس وفق إيقاع رقمي معيّن، لديه نتيجة باطنية تختلف عند اختلاف الإيقاع، وعند اختلاف مدة الشهيق وحبس النفس والزفير… وبما أن المعادلات الرقمية هي من خصائص ومكونات المنطق الباطني والبرمجة الذاتية سواء كان ذلك على صعيد الجسد أو أجهزة الوعي، لذا نستنتج أن في تلك الطاقة، برنامج عمل وتوعية… وإلا لما تأثر الكيان باختلاف المعادلات الرقمية في نمط التنفس. نلاحظ أيضاً أن تركيز الفكر أو وعي الظاهر على نمط رقم معيًّن في التنفس، يؤثر على أجهزة الإنسان الباطنية ومراكزها، وكأنه (الفكر أو وعي الظاهر) يدوزنها على إيقاع محدد، لتلتقط برنامج محدد مما تحويه طاقة الحياة في صميمها.
الفارق شاسع بين من يعتبر الأرقام صماء، أو عمليات حسابية فقط يقتصر وجودها حبراً على ورق، في كتب الدراسة والعمل، ومن يحمل معادلاتها إلى عمق رئتيه، وإلى فضاء فكره ونمط حياته اليومية.
حقاً إن الحياة وحدة، لكن عندما عجز الإنسان عن فهمها كاملةً، تجزّأت طاقتها في أنفاسٍ عديدة، يتنفسها ويتشربها كيان الإنسان، ليعي محتوى الأجزاء، التي تعكس مكونات الوحدة.
مهمة مستقبلية لكل ساعٍ على درب التطور والوعي، أن يتوسع بوعيه ليعي عملية التنفس اللاإرادية وما يتأتى عنها مادياً وباطنياً. بما أنها تحوي البعد الإرادي واللاإرادي معاً، سوف تكون صلة وصل بين وعي حواس الجسد ووعي عمل الأعضاء اللاإرادية كالقلب.
لتحقيق ذلك، تبقى التمارين وسيلة فرعية لها منافعها، لكن الوسيلة الأساسية، لا بل الهدف، هو طريقة الحياة العملية اليومية التي تجعل وعي الظاهر يتطابق مع إرادة وعي الباطن. هذه الطريقة عمادها التطبيق العملي وسيلة التحقق والعمود الفقري في معرفة الذات…