«كيف نفهم الكسل ونحوّله إلى نشاط وحيوية» بقلم م. ندى شحادة معوّض
عندما قررت البحث في موضوع الكسل، تفاجأت حين لم أجد مرجعًا علميًّا رسميًّا يتحدّث في الموضوع! بل صُعقت عندما وجدت بأنّ العلم يعزّي الكسولين إذ لا ذنب لهم في كونهم كسولين، فيعزو الكسل (laziness) إلى الوراثة والتركيبة الجينية، وطريقة توزيع هرمون الدوبامين في أقسام الدماغ…
في البداية لنسأل: ما هو الكسل؟ أهو خمول جسدي، بطء فكري أم ركود باطني؟
هذا السؤال يضعنا أمام سؤال آخر سيساعدنا على الإجابة: بل ما هو النشاط؟
النشاط، كما يعرّفه علم باطن الإنسان – الإيزوتيريك، هو حالة تأهب أجهزة الوعي في الكيان الإنساني. هو حالة تيقّظ الفكر، وتألّق المشاعر، وصحّة الجسد. هو حيوية نفسية وجسدية أشبه بينبوع متدفق بإيقاع ثابت، يصب في «ساقية» ثابتة الانسياب، متجدّدة وزلالية المياه. النشاط هو حالة جهوزية تامة، واستعداد كامل وانفتاح واعٍ، للقيام بما يجب القيام به عندما يحين وقت تنفيذه (أو حتى قبل أوانه – أي الافادة الكاملة من الوقت – أو حتى اختصار الوقت)… وهنا يدخل عامل الزمن في المعادلة.
فالنشاط يعني أنّ الإنسان يفيد من وقته، إذ يعبئ وقته بالعمل-الحركة لأي مستوى انتمت.
لكن المهم ألّا يحوّل المرء مسار الحركة المطلوبة إلى مسارات لا تصبّ في محور الوعي في النفس البشرية، أي مسارات بعيدة عن الهدف، وعمّا يجب القيام به تجاه حاجة وعي المرء. فأعمال كهذه، مهما برزت انجازاتها، ومهما عكست ظاهريَّا مظاهر نشاط وحيوية وحماس واندفاع، لا يمكن أن تُخفي عن عين العارف، وعن ضمير صاحبها بأنّها مجرد ملهاة… مجرّد «شراء يائس» للوقت الضائع، وهروب مخافة المواجهة… والسبب أنّها لا تصب في المحور النفسي لفاعلها… هذه الأعمال هي انعكاس لانغماس النفس في التفاعل الأفقي (المادّي الأرضي)، والذي مهما اتّسعت دائرته يتحوّل في غياب التفاعل العمودي (العمل على محور الوعي في النفس أو العمل الداخلي على تطوير النفس) إلى مساحة ضيقة محدودة، يملؤها الكسل والملل، كونها تخلو من التحدي مهما بذلت النفس من جهد وعمل دؤوب. بل على العكس، هذا التفاعل الأفقي هو الذي يغذّي التخبّط الداخلي كونه يلغي إمكانية البصيرة (أي يقظة فعل الحقيقة في صميم لحظة الواقع)، فيتفاقم عجز النفس عن «فهم النفس» الذي يُترجم عمليًّا بغياب الوعي، وصعوبة استيعاب تجارب الحياة وما يعتمر في النفس من أفكار، وخصوصًا من مشاعر وأحاسيس… وعدم الاستيعاب هذا هو ما يُسمّى بـ«الفراغ» داخل النفس…
وكما العناد هو مقاومة المرء إراديًّا لتوغّل الوعي في كيانه، كما يخبرنا الإيزوتيريك، يمكننا القول إنّ الكسل كذلك هو مقاومة المرء إراديًّا لتيارات، أو تموّجات، الحركة (الهادفة طبعًا) التي يُفترض بها أن تعبئ فراغات النفس، وأن تفتّح قنوات أو مسارات للحركة أغلقتها، وسدّتها سلبيات التحايل واللوفكة والتأجيل والتلكؤ والمماطلة والنكث بالوعود والعهود…
من هنا يمكننا أن نعرّف الكسل بأنّه رفض الحركة – ونتيجته غياب النشاط والحيوية عن أبعاد الكيان، أو على الأقل، تباطؤ حركتها…
ولكن، بما أنّ الكيان الإنساني، كما نعلم، مكوّن من مادّة ولامادّة (أي جسد وأبعاد وعي غير منظورة)، وجميعها في حالة تفاعل وتواصل عبر مسارات مادّية وذبذبية، تنساب فيها حركة الحياة حاملة في طيات تموجاتها الوعي والاستمرارية، لذلك فإنْ تباطأ عمل أي من أجهزة الوعي الخافية أو الجسد، فإنّ هذا التباطؤ يؤثر على سائر الأجهزة الأخرى، كونها مترابطة ومتّصلة في عملها.
وكمثال بسيط عن الأعمال اليومية العادية التي تتطلب حركةً ونشاطًا جسديًا، فعند إنجازها في أوانها، يرتاح الفكر والمشاعر من ثقل التأجيل واللانظام.
كذلك إنّ توهّج الفكر في حالات فيضه وألق عطائه، يرقرق المشاعر لتلتقط أدنى هبّة وعي… وهو شحن لنشاط الجسد وتفاصيل جمالاته…
أمّا تألق المشاعر في حالة الحبّ الواعي، فيطلق العنان لإبداعات الفكر كما لنشاط الجسد…
وكما أنّ كلّ سلبية سببها انعدام وجود الإيجابية المضادة، فإنّ انعدام وجود الإيجابية هو بحدّ ذاته رفض أو تباطؤ للحركة التي تمثّلها كصفة أو كفعل – بالتالي كسلها. فهل يصحّ القول إذًا إنّ:
الانغلاق هو كسل الانفتاح؟ والعناد هو كسل القبول؟ والجهل هو كسل الفكر؟ كما أنّ الرفض لمجرد الرفض، وكذلك القبول السريع، هو كسل التفكير؟ والمرض هو كسل الأعضاء الجسدية (كانعكاس)؟
ناهيكم أنّ غياب التجدّد وانعدام المرح، إضافة إلى التعاطي التصادمي مع الآخرين، يمتصّ من الكيان طاقة حيويته فيؤول الأمر إلى وهن جسدي ينعكس كسلًا…
ختامًا أقول بإنّ ما لا بدّ من القيام به، يجب علينا أن نفعله، سواء كان ذلك يُعنى بترويض أحاسيس الجسد، أو تهذيب رغبات المشاعر، أو تحليل وحلّ إخفاقات التفكير… ولنتذكر دائمًا نصيحة الإيزوتيريك الذهبية التي وردت في كتاب «اللاوعي إن حكى» للمعلّم (ج ب م):
«لا تجعل من الوعي وعدًا تُمنّي النفس به، بل اجعل من الوعد وعيًا تعيشه يومًا بعد يوم».