الانفتاح الفكري إرادة تطوُّر وارتقاء بقلم الأستاذ مروان أبي عاد
«الفكر أساس كل شيء في حياة الانسان، وعى المرء ذلك أم لم يعِه، اعترف به أم لم يعترف! هو أساس حالة الإنسان الجسدية والصحية والنفسية والعقلية! ولو عرف المرء كيف يطوّع فكره، لحصل على ما يبغى من الحياة، ولامتلك كل مقومات السعادة والصحة، وراحة البال وهدوء النفس».
انطلاقًا من هذا الاستشهاد الذي ورد ص27 من كتاب «تعرف إلى فكرك» (الطبعة الخامسة) بقلم المعلّم ج ب م، وبما أنّ الأرض مدرسة الإنسان، (كما يوضح علم الإيزوتيريك) وأنّ الإنسان ما وجد عليها إلا ليتعلّم ويتطوّر ويرتقي بوعيه… فإنّ الانفتاح الفكري هو الخطوة الأولى لإطلاق فكر المرء الساعي إلى الوعي، ليتغلّب على الجمود والجهل. لأنّ «الجهل، بحد ذاته، هو الصفة السلبية الأشد خطورة على الإطلاق، بما يولّده من انغلاق وتعصب وسوى ذلك من معيقات التطور»، كما ورد أيضًا في الكتاب المذكور ص74، بالتالي يتّضح لنا أنَّ الانفتاح الفكري هو الحل الوحيد لتخطّي وإزالة أغلب معيقات التطور في الوعي.
يبدأ الانفتاح الفكري من إدراك المرء لحاجته للمعرفة، سواء في الشؤون الحياتية العامة، أم العلمية الأكاديمية التخصّصية، أم الإنسانية الشاملة. واستكمال ذلك بإرادة المرء السّاعي إلى الوعي مستعينًا بالوسائل العملية المفيدة لتحقيق المرام.
بالتالي يمكن القول إنّ الانفتاح الفكري هو إطلاق الفكر إلى آفاق جديدة، موجهًا بالإرادة المضمخة بالمحبّة، محبّة ما يُقبل عليه المرء لتعلمه، كالمعرفة مثلًا.
وبما أنّ الانسان يحتاج إلى اختبار عالم المادة حتى الاكتفاء، وبما أنّه لا يمكنه التعرّف إلى فكره من دون أن يتعرّف إلى كيانه الباطني والاطلاع على نظام عمله، وبما أنّ النظام أساس الانفتاح على مكونات الباطن الخفي في الإنسان، (كما ورد أيضًا على الغلاف الخلفي لكتاب «تعرّف إلى فكرك»)، كان الانفتاح الفكري هو الخطوة الأولى على مسار التصعّد والارتقاء من البشري إلى الإنساني، لتحقيق التطور في الوعي.
على الصعيد البشري يتمظهر الانفتاح الفكري مبدئيًّا عبر حشرية المعرفة، ويرتقي تدريجًا إلى فضول التعلّم، فيتطوّر إلى رغبةٍ صادقةٍ مضمّخةٍ بالبحث عن معرفة النفس. فالفكر المنفتح يسعى إلى دراسة كل ما يصادفه لتوسيع وعيه بما تحمله كل لحظة في طياتها من أمور تفيده في عملية تطوّره وفهمه لنفسه…
رسّخ علم الإيزوتيريك من خلال مؤلفاته، التي ناهزت المئة مؤلف حتى تاريخه، أُسس الانفتاح الفكري الفعلي والمثمر إنسانيًّا، لكل باحث ومريد للمعرفة. إذ وسّع أفق الفكر من البشري إلى الإنساني، فهذا الأخير (أي الإنساني) قادر على الغوص في أسرار الحياة وغوامضها. أيضًا كشف علم الإيزوتيريك النقاب عن حقائق إنسانية وضعها في قالب حياتي عملي، ضمن منهج مترابط مبسّط يساعد مريد المعرفة على تحقيق التطوّر الذي يهدف إليه، عبر سبر أغوار حقائق نفسه وصولًا إلى حقيقة وجوده… بالتالي شرّع أبواب الانفتاح على مصراعيها لكل من شاء الوعي سبيلًا.
ارتقى منهج علم الإيزوتيريك العملي المبسّط بمفهوم الانفتاح الفكري من الفضول المعرفي إلى الإرادة النافذة في السعي إلى اكتساب ما يطوّر الفرد، والارتقاء به إلى سمو إنسانيته. فقد بات هذا المنهج طريقة حياة تعتمد على الانفتاح الفكري وتغذيته بالأفكار الجديدة واجبًا ومسؤولية.
الانفتاح الفكري ليس محدّدًا بأمور معيّنة، ولا بأفكار أو تجارب حياتية محدودة، فهو شامل لا يصح الاستنساب فيه. فالانفتاح على اكتساب الإيجابيات وتطبيقها في حياة مريد المعرفة، يقابله الانفتاح على كشف السلبيات في النفس بموضوعية، ثم العمل على إزالتها من التصرفات والمسلكيات…
من المهم جدّا التوعّي إلى أنّ الانغلاق الفكري قد يظهر بأشكال وأنواع مختلفة، فمنه ما هو ظاهر يعبر عنه صاحبه بالرفض لكل جديد يُقدَّم إليه، أو كل تجربة جديدة تواجهه. وآخر باطني خفي، وهو الأخطر، لأنّ صاحبه يتظاهر بالقبول والانفتاح، بينما هو في حقيقة الأمر يتحايل لإخفاء رفضه وانغلاقه، ما يضيف سلبية إضافية إلى سلبياته.
يفيدنا علم الإيزوتيريك أنّ الخطوة الأولى على درب الانفتاح الفكري هي في وعي وجود الانغلاق في ممارساتنا الحياتية. هذه الخطوة قد تكون سهلة وصعبة في الوقت عينه. سهلة عند وجود الإرادة والتصميم الكافيين لاكتشاف مكامن الانغلاق، وصعبة عند خلق الأعذار والمبررات لهذا الانغلاق. لكن ظهور العراقيل والمنغصات الحياتية في حياة المرء، لا بد أن يشكّلا الحافز الأساس للتساؤل عن أسباب هذه المنغصات، لتصحيح مساره وفتح «كوة» من الانفتاح تُدخل النور إلى ظلمة الانغلاق في نفسه. وبما أنّ طبيعة النور الانتشار (كما يوضح علم الإيزوتيريك)، لا بد أن يتوسّع شعاع النور (الانفتاح) وينير ظلمات النفس والفكر، مع المثابرة على التطبيق العملي لكل ما يصب في مصلحة تطور المرء.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن التطبيق العملي الواعي للانفتاح الفكري يهذّب تصرفات المرء، ويقوي حس التواضع والتقدير لديه، فيتحوّل الفكر إلى فكر يقظ، إلى فكر محبّ ومتواضع. فالانفتاح الفكري يقرّب المسافات بين الازدواجيات المتنافرة، والثنائيات المتباعدة، وهو السبيل إلى تقريب الأضداد وتوجيه طاقتها نحو الوحدة.