نداءُ الرُّوح… لباحث…
بقلم المعلّم جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م)
همسُ الملاك… لو تُدرك!
على الدرب القدريّة يجدُّ المرء
في البحث عن الجوهر في الشيء
والجوهرُ لا يتواجد إلّا في الخَبْء
حيث سكونُ الأعمار ينفض عنه كلَّ عِبْء!
يخترق الباحثُ أعماقَ النّفس حيثُ البصيصُ لا يُخطئ
ينفذُ إلى داخل النّور، ويمدّ يدَه ليملأ
فالروحُ، ذلك الكلُّ في الجزء
هبةُ الإله، ينبوعُ حنانٍ ودفء!
يسلكُ درب الآلام، وكأنّ الآلام امتلاك
يتألّم، ومع كلّ آهة تُقتلع من ألمهِ الأشواك
كأنما الدّربُ باتَ دربَ ورودٍ يهواك
أو أنت تهواه، فالألم عذبٌ كما في المرضِ دَواك!
يتقدّمُ الباحثُ ويرتفعُ مدماكًا تلوَ مدماك
يرى الأمان حتى في خطر الهلاك
يتذوَّق طعمَ العلقم، وطعمُ الرّحيقِ يشدُّه إلى الأفلاك
وكأنَّ العذابَ وحدَهُ سوف يُخرجُهُ منَ الأشراك!
تناديه الرّوح بهمسِ ملاك…
ما أنت إلّا بي، وما أنا لولاك
لو كنتَ تعرفُني وتستسيغُ طعمَ الإدراك
لكان تلاشى سببُ ألمكِ وضَناك!
ما كنتُ لأختبرَ الحياةَ لو لم أنل رضاك
بل إنّ وهجَ نوري هو ضياك
وعالمي أبقى من سُماك
لو تدركُ معنى الحقيقةِ لتبخّرَ منَ النّفس أساك!
أَنظر إلى عمقي، فاستشفّ ملامح مُحيّاك
وأتأملُ في سكوني، فأسمع أنينَ شكواك
أُنصتُ إلى نغماتي، فأنعمُ بمغناك
وأتحسّس وجودي، فأشعر بدفءِ شذاك!
أَصمت، وكأنَّ من ارتجافِ الحروف قد تعب نِداك
أو كأنّ الكلامَ يأبى التجسُّد بغير معناك
فأسمع في الصمت بلاغةً تخبر عن حكمة مولاك
أَسمع سكونًا يُفصح عنْ سمو رُباك!
أحاول أن أستشفّ المعنى ومغزاك
فلا أدرك غير أنّي شعاعٌ ممّنْ حواك
هو النورُ، وما أنا منْه إلّا عُلاك
أنتَ دنيا الوجودِ، وأنا ذكرى في نُهاك!
تحسبُني… تأمَّل، لعلّك…
وتناديه:
أنتَ دخلْتَ محرابي لتفهمَ فحواك
فما وجدْتَ غير بصيص يُرشدُ إلى نور وِعاك
دخلتَ لتعي حقيقةً لم تتحدّث عن سواك
وكأنّي تلك الحقيقةُ… لكنّي لستُ منها سوى مدارِ الأفلاك!
دخلتَ محرابي تبحث عن إله أحياك
وكأنّي بك تجهل أني لستُ نهاية مرماك
فما أنا سوى شعاع، ما اكتمل لولاك
ما أعظمك أيها الإنسان تبحثُ عمّن احتواك!
أنت أعظمُ منّي أرضًا، وأنا بخورٌ في سَماك
أحترقُ بعظمتِك، بشموليّة ملقاك
فما أنا غير عتبةٍ على بابِ منتهاك
لكنّك إن تجاهلتني، سقطت من علياك!
تبحثُ في محرابي عن مثواك
تستقرئ وجهي علّني أَدلُّك إلى سَناك
وهل الحياة تنتشي بغير نَداك؟
فلا تبحث عني، بل نقّب عن أسرارِ الوجود في حناياك!
أنا فيكَ، فهلّا شعرتَ بي يومًا رحماك…
بل أنا وجودك، فهلّا نلتُ مرّةً رضاك
سُجنتُ فيك، لكنّي أحبّ التوحُّد في ثناياك
أرى الحريّة قيد باعٍ… لكن مُناي أن أظلَّ من أسراك!
تدْخلُ محرابي لتتعبّد في ذاتك بعيدًا عن ثَراك
تحسبني النور، لكني لم أوجدْ إلّا لأنيرَ مداك
وتحسبُني الهدف، لكني لست إلّا لأقودَ خطاك
فتأمّل أيها الإنسان… علّك تدرك أين ذُراك!!!