حوار مع المعلم
عرفت الشعوب القديمة التنويم المغناطيسي، أو التنويم الإيحائي (أو Hypnosis)، واستخدمته لأغراض شفائية وغيرها، مثال الفراعنة واليونانيون والبابليون. وفي العصر الحديث، أعاد الطبيب السويسري «فرانز أنطون ميسمر» (Franz Anton Mesmer) اكتشافه في القرن الثامن عشر، عندما استخدمه لتخدير مرضاه. لكن ساد الاعتقاد حينها أنّ ما يفعله الطبيب السويسري هو نوع من السحر والشعوذة، حتى أنّ المنظمة الطبية في فيينا قامت بحرمانه من عضويتها.
لا يزال التنويم المغناطيسي يستخدم لغاية يومنا هذا، ولكن هل له تأثيرات سلبية خافية على الشخص الذي يخضع له؟ سؤال شائك يجيب عنه المعلم ج ب م، ودائمًا في ضوء كشوفات علم الإيزوتيريك.
س – ما هو التنويم المغناطيسي، وهل هو حقيقي؟
ج – هناك بالتأكيد أشخاص قادرون على ممارسة التنويم المغناطيسي، أو التنويم الإيحائي بنجاح، لكن مخاطره جدية! فالإيحاء هو مقدرة تحكُّم الأقوى بالأضعف…
بالامكان فهم ذلك من خلال هذا التوضيح البسيط.
على صعيد الفرد، من شأن الفكر أن يتحكم بالجسد عن طريق الإيحاء الذاتي. فإذا كان الإيحاء إيجابًا، بات الجسد ومكونات النفس الدنيا في حالة منسجمة… وإن كان سلبًا، جاءت النتيجة عكس ذلك، فيشعر المرء بالكآبة. هذا المثال يوضح واقع الأشخاص الذين يُعالجون بواسطة التنويم المغناطيسي (الإيحائي)، فقوة الفكر تعبّر عن الفكر الإيجابي، والعكس صحيح. أضف إلى أنّ قوّة الفكر من قوّة الإرادة، وضعفه من ضعفها.
من جهة أخرى، تجربة بسيطة يمكن لكل شخص أن يقوم بها؛ ليحاول أن يشغل فكره في أمور مقلقة لمدّة ربع ساعة. سيشعر بعد ذلك بضيق في النفس، وباضطراب وتشويش يسيطران على ذهنه ونفسه… كما أنّه قد يشعر بصداع، أو بألم في المعدة، أو في أي عضو ضعيف في جسمه. فإذا ما كان تأثير الإيحاء الفكري الذاتي، الموجه سلبًا، على هذه الدرجة من التأثير السلبي في النفس والجسد، فكيف إذًا تأثير الإيحاء الصادر عن شخص آخر؟! فمن مخاطر التنويم المغناطيسي أنّه يلغي إرادة صاحبه، ويعرضه لأن يصبح ألعوبة في يد الآخرين… لذلك لا يوافق علم الإيزوتيريك على هذا المنحى، ويشدد على ضرورة تقوية إرادة المريض وتقوية فكره، فيوجهه إلى كيفية معالجة نفسه بنفسه، في ظل متابعة وتوجيه من مرشدين هم طلاب متقدمين في علم الإيزوتيريك.
س – أين يأتي موقع التنويم المغناطيسي بالنسبة لعلم الإيزوتيريك؟
ج – علم الإيزوتيريك يعمل على تقوية الشخصية الفردية من خلال التطور في الوعي، في حين أنّ التنويم المغناطيسي «هو مقدرة تحكُّم الأقوى بالأضعف»، كما سبق وأشرت، بالتالي ما من مجال لتقريب المسافات بين علم الإيزوتيريك الإنساني والتنويم المغناطيسي.
شروحات علم الإيزوتيريك تبدأ من الخلية كأصغر موجود، وتنتهي بالكون كأكبر وجود… هذا لأنّه علم إنساني شمولي… ومن المهم التوضيح، في ضوء ما تقدم، أنّه ما من علاقة بين علم الإيزوتيريك والتنويم المغناطيسي، لا بل إنّ الإيزوتيريك يحذّر من ممارسته.
علم الإيزوتيريك هو علم تطوير الوعي الفردي من خلال اعتماد تقنية «اِعرف نفسك». منهج علم الإيزوتيريك يساعد على توسيع وعي النفس وتفتيح مقدراتها الخافية بطريقة منهجية سليمة، وذلك هو ضرورة حياتية قصوى يغفل عنها السواد الأعظم. فمع توسيع الوعي تهون المصاعب الحياتية، ويرتقي المرء في المجالات كافة، لأنّ علم الإيزوتيريك يرتكز على التطبيق العملي-الحياتي، الإرادي والواعي… في المقابل يغيّب التنويم المغناطيسي الإرادة الفردية، أي أنّه يسلب الشخص المنوّم مغناطيسيًّا إرادته، بحيث يصبح خاضعًا لإرادة الشخص المنوِّم! والأخطر أنّ هذا الأخير يدخل إلى باطن وعي المريض عنوة، من دون أي معرفة أو دراية لمكنون وعي الباطن المتراكم عبر الأعمار. كل ذلك يشكّل خطرًا كبيرًا على صحّة الإنسان النفسية والعقلية.
الدخول إلى وعي الباطن يحتاج إلى معرفة مكونات النفس، وإلى الحكمة في ممارسة الدخول المنهجي السليم من خلال تقنيات معينة. منهج علم الإيزوتيريك يدرّب الطالب الملتزم على ذلك، فيتلقّف ما تم تسجيله في ذاكرة وعيه الباطن وفق ما يحتاجه للتقدم في الوعي وتحسين مستوى العيش عبر معرفة النفس…
س – ما هي التقنيات التي يقدمها علم الإيزوتيريك؟
كثيرة هي التقنيات التي يقدمها هذا العلم. مثال تقنيات التركيز والتأمل والتمعّن، وقد شرحتُ مبادئها الأساسية في كتابي «التأمل والتمعن»، وهو إلى اللغة العربية متوفر بلغات أخرى عدة.
تتفاوت التقنيات التي يقدمها علم الإيزوتيريك بحسب توسع وعي طالب المعرفة (معرفة الإيزوتيريك)، وهي تساعده على الدخول المنهجي السليم إلى باطن وعيه، كما سبق وأشرت. فالهدف اكتساب المقدرة الحكيمة على تلقي ما يبثه هذا الأخير من حقائق بات وعي الظاهر قادرًا على استيعابها، ومع المثابرة والالتزام يشعر طالب المعرفة وكأنّه يُطالع في كتاب نفسه، يطالع ما خُطَّ في باطن وعيه.
في مثل هذه الحالة فقط، يدخل المرء إراديًّا، وبوعي كامل، إلى أعماق نفسه بهدف سبر أغوارها. في المقابل قد يستخرج الدخول إلى وعي الباطن عن طريق التنويم المغناطيسي حقائق غابرة عن صاحبه، أو خلاصة خبرات غير إيجابية لا يمكنه تحملها أو استيعابها، خاصة في غياب العمل على إزالة السلبيات من نفسه ومن ممارساته الحياتية… فالدخول إلى وعي الباطن من دون حكمة ومعرفة لما يمثّله، هو أشبه بخلع باب غرفة ما بالقوة لدخولها عنوة! قد ينجح في فتحه، وهنا تكمن الخطورة، بحيث يصبح باب الغرفة مخلوعًا ولا يمكن ضبط ما يدخل إليها أو يخرج منها…!
الشخص المُنوّم مغناطيسيًّا يعرّض نفسه لحالات تمزق باطني، جراء تمزق رقاقات ذبذبية التكوين تتواجد على الحد الفاصل بين وعي الظاهر ووعي الباطن. هذه التمزّقات تجعل وعي الباطن مشرّعًا على المجهول، وقد تؤدّي إلى عدم المقدرة على تمييز الأمور والوقائع، فلا يستطيع صاحبها مثلًا التفريق بين تجارب الحياة الحالية أو الحيوات السابقة من جهة، وما تلتقطه الهالة الأثيرية من ذبذبات دخيلة أثناء التنويم من جهة أخرى…
س – هل ينطبق ذلك أيضًا على ممارسة التنويم المغناطيسي لمعالجة الأمراض العصبية، أو الصداع، أو الخوف؟
لعلم الإيزوتيريك موقف واضح من كل ذلك. وبالفعل يأخذني العجب أحيانًا من تجاهل الحقيقة التي هي أبسط من البساطة نفسها…! لماذا نتجاهل حقيقة أنّ لكل نتيجة مسبّب؟ وذلك ينطبق على كل شيء، بما فيه المرض!
علم الإيزوتيريك هو علم الأسباب قبل النتائج، ويقولها بالفم الملآن إنّ أسباب الأمراض النفسية قائمة على ثلاثية من أعتى سلبيات النفس، وهي: خوف – خجل – تردد، يضاف إليها سلبية الرفض، وحالات القلق السلبي، وسرعة الانفعال، والحزن الشديد، والتأثّر السريع، والقائمة طويلة… فهناك سلبيات كثيرة تمثل “عيوب” النفس البشرية، شرحتُ عددًا منها في مؤلّفي «رحلة بين قبائل السلبيات»… تلك العيوب تدمغ النفس بأثرها، وتبقى فيها على مثيل جرح عميق لم يندمل في الجسد. باطنيًّا يعمق الجرح “ويفرز سمومه” في الصحّة النفسية والفكرية، ومن دون وعي المرء لما يتداعى في داخله… إلى أن يصحو على وجع ما، أو صداع، أو عارض صحي، أو حالات كآبة ويأس، أو ما شابه… وهذه كلها عوارض نفسية، أو وقائع مرضية، لا يبدو أنّ ثمّة أسباب ظاهرة لها في الكثير من الأحيان.
س – هل فعلًا يسهل الوقوف على أسباب الأمراض من خلال منهج علم الإيزوتيريك؟
إنّه بكل تأكيد سؤال عويص، لكنني أسأل بدوري، من يعرف نفسه حق المعرفة؟
من يعرف نفسه، أو يهدف بصدق وجدية إلى معرفة نفسه يصل بالمثابرة والأمانة في التعامل مع النفس إلى الإجابة الدامغة… في مقدوري أن أؤكد أنّ لمعالجة أسباب الحالات الناجمة عن الممارسات السلبية دواءًا واحدًا، ألا وهو التصرّف المعاكس لها في خضم الحياة، في كل شأن. يبدأ ذلك بالممارسة الإيجابية الرقيقة والعطوفة مع النفس أولًا، ومع الآخرين ثانيًا. فالمرض، جسديًّا نفسيًّا أو عقليًّا، كما يفسّره علم الإيزوتيريك، ليس سوى إنذارٍ بوجود خطأ ما في النفس البشرية. ومن منطلق كل ما تقدّم، نستنتج أنّ علاج الأمراض لا يتم عبر التنويم المغناطيسي، حيث يتم تكرار عبارات معيّنة على المنوَّم، أو استخراج معلومات من باطن وعيه، بل من خلال تفعيل الإرادة الفردية في تطبيق التصرّفات الإيجابية وممارستها، وتصحيح الأخطاء عمليًّا في المسلك الحياتي، بإرادة صادقة. فزرع فكرة معينة في وعي الباطن في حالة التنويم المغناطيسي لا يمحو نتيجة العمل السلبي، بل الفعل المعاكس في الممارسة.
س – كيف يمكن للإنسان أن يواجه الخوف مثلًا؟
المطلوب هو تقوية الفكر في الإنسان. كتابي «تعرف إلى فكرك» يقدم قاعدة الفكر الرباعية (تفكير – تحليل – تمييز – استنتاج) التي تساعد على تحقيق ذلك، من بين شروحات أخرى كثيرة في مؤلفاتي ضمن سلسلة علم الإيزوتيريك. فالفكر الواعي، الفكر الإيجابي المنفتح، الفكر الموضوعي المتجرّد… هذا الفكر هو أحد ركائز الشخصية المعرفية القوية التي ينتفي منها الخوف والخجل والتردد والرفض و«الموبئات» الأخرى كافة. هكذا يستدرك المرء أنّ نتيجة التنويم المغناطيسي بدائية ومحدودة جدًّا في معالجة الحالات المرضية، علمًا بأنّ هناك شريحة كبيرة من المرضى المقتنعة بهذا العلاج. ومن الجدير بالذكر أنّ السبب، وذلك على ذمة ما يقوله الأطباء، قد يكون عائدًا إلى ما يُدعى بالدواء الوهمي، أو Placebo effect، حيث يشعر المريض بالتحسن لمجرد الاعتقاد بأنّه يتناول العلاج المناسب لمرضه.
هل من كلمة ختامية؟
يؤكد علم الإيزوتيريك أنّ الطب بفروعه كافة، لا سيما الطب النفسي، سيجد ضالته وسيتطور مع الانفتاح على حقيقة تكوين الكيان الإنساني بأجهزة وعيه السبعة، الذبذبية التكوين… فذلك سيمكّنه من الوقوف على أسرار النفس البشرية، فيقوّم مقاربته للأمراض على اختلافها. ولا عجب إن شهد التاريخ نوعًا جديدًا من التطبيب المستقبلي، يعبر عنه الإيزوتيريك بعبارة «طب الفكر». هذا النوع من التطبيب سيقدم طريقة حياة كاملة متكاملة يعيش بموجبها الإنسان، بحيث تزول الأمراض من حياته، وتزول المشاكل والمصاعب إلى غير رجعة… عند تحقيق ذلك ينعم المرء برفاهية العيش ورغده، طبعًا بقدر صدق التزامه.
أيضًا وأيضًا، يؤكّد علم الإيزوتيريك أنّه لن يكون للتنويم المغناطيسي مكان في العلاجات المستقبلية… في حين أنّ منهج علم الإيزوتيريك ينطوي على أصول التطبيب المستقبلي المذكور، وهو يعلّم المرء كيفية الوقاية من الأمراض على أنواعها…
كشوفات كثيرة ستتتالى في عصر الدلو، عصر تكنولوجيا الباطن، لتؤكد أبعاد معرفة الإيزوتيريك ودورها في حياة إنسان المستقبل. وليكن التاريخ شاهدًا على ما أقول…
هل هذا ينطبق على استرجاع ذكريات الحيوات السابقة past life regression؟
تحيّة طيبة،
نشكر لك متابعتك لمدونة علم الإيزوتيريك.
بالنسبة لسؤالك نجيبك باختصار أنّ ذلك ينطبق على كل ما له علاقة بالتنويم المغناطيسي.
ندعوك إلى طرح سؤالك على صفحتنا على الفيسبوك “منتدى الإيزوتيريك” – https://www.facebook.com/groups/esoteric.sciences/ – حيث تجد رابط المقال أيضًا، كون المنتدى منصة حيوية للحوار والاستيضاح حول ما يطرحه علم الإيزوتيريك من موضوعات معرفية متنوعة.
مع الشكر،