دور الأزمات في صقل الوعي بقلم ميرنا أبو دياب
رافقت الأزمات الإنسان عبر تاريخ وجوده، وكانت المحرك لعجلة التطور البشري على مختلف الصعد… وعى الإنسان ذلك أم لم يعِه!
إلّا أنّ ما نشهده اليوم من أزمات في العالم على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي يحث المرء على التساؤل: في أي اتجاه ستدفع هذه الأزمات الإنسان بعد التطور الذي حقّقه على الصعيد التكنولوجي والمعيشي بشكل عام؟ وهل يمكن القول بإنّ الإنسان وصل إلى القمة، وتبوأ عرش التطور، أم إنّه لا زال بعيدًا عن التطور الحق؟
يوضح علم الإيزوتيريك بأنّ «لا صدفة في نظام الحياة». فكل حدث في الحياة، صغيرًا كان أم كبيرًا، على المستوى الفردي أو العام، المحلّي أو العالمي… هو يخضع لنظام السبب والنتيجة. وما الأزمات التي نشهدها اليوم إلّا نتيجة لأعمال الإنسان التي أساءت إلى هذا النظام وأبعدت الإنسان عن حقيقة وجوده وهدفه على الأرض.
يشدّد علم الإيزوتيريك على أهمية تطوير وعي الإنسان كوسيلة عملية لتحقيق الهدف من وجوده. فالإنسان ما وجد على الأرض إلّا لاكتساب الوعي وتطويره بهدف الارتقاء… وهذا الارتقاء لا يتم بمعزل عن معرفة الإنسان لنفسه. فمعرفة النفس تبدأ من تعرّف الإنسان إلى كيانه الباطني المؤلف من سبعة أبعاد وعي (بدءًا من الجسد ووصولًا إلى الروح)، من ثم تنقية النفس (خاصة الفكر والمشاعر كأبعاد وعي) عبر إزالة السلبيات المسلكية واكتساب الإيجابيات… إلى أن يتحقق التوازن بين هذه الأبعاد.
فالإنسان، وبالرغم من تحقيقه للتطور التكنولوجي في العصر الحالي وتبوّئه لعرش التطور المادي، إلّا أنّه لا يزال طفلًا في تطور «تكنولوجيا الباطن» أي معرفة نفسه وتطوير وعيه كما يوضح علم الإيزوتيريك… وكما الأمراض تظهر كدلالة على خلل ما في الجسد… كذلك الأزمات التي نشهدها اليوم هي دلالة على خلل ما في العلاقات الإنسانية وذلك على الصعيد العائلي، الاجتماعي، وكل صعيد آخر محوره الإنسان…
بحسب علم الإيزوتيريك، الأزمات التي نشهدها اليوم، كما كل المصاعب التي واجهها الإنسان عامة لا بد أن يكون لها وجه إيجابي. هذه الأزمات ستكون البوصلة التي ستوجه الإنسان للالتفات إلى داخله اللامادي، والتي ستحثّه على الانفتاح على الباطن، وتدفعه باتجاه تغيير مسلكه الذي طغت عليه الأنانية والمصلحة الفردية إلى مسلك متوازن منفتح على المحبّة والخير العام. ويتم ذلك من خلال وعي الإنسان لفراغات النفس البشرية أي سلبيّاتها واكتساب الإيجابيات المناسبة مكانها، وتطبيقها عمليًّا بدءًا من محوره الأصغر أي عائلته، حيث يمارس أسسس التواصل البنّاء والتفاهم المتبادل القائم على مبدأ احترام الآخر ضمن أفراد عائلته، وتفعيل الحبّ الصادق الواعي مع الجنس الآخر، والعيش بتوازن من خلال اعطاء كل حق حقه.
نعم، إنّ ما نشهده اليوم أكثر من مجرّد أزمات ذات نتائج محددة. إنّه أقرب إلى صدمات وعي ومفاجآت تفوق مقدرة الفكر البشري على توقّعها والتي يسميها علم الإيزوتيريك «منطق اللااحتمال»، والتي تناولها كتاب «محاضرات في الإيزوتيريك –الجزء التاسع» بقلم المعلّم ج ب م، ص120 قائلًا: «مع دخول عصر الدلو… ستعيش المجتمعات الأرضيّة كافّة حالة من القلق أمام تحوّلات غير مسبوقة تقع في نطاق اللااحتمال، بمعنى المجهول… المجهول على الفكر البشري الأفقي المنحى…».
فجميع هذه الصدمات ستدفع بالإنسان إلى التساؤل عن السبب، وعندما يعجز الإنسان عن إيجاد السبب خارجيًّا سيتجه إلى داخله وينفتح على كيانه الباطني حيث يجد جميع الأجوبة والأسرار… فيرتقي مستوى فهم المرء لنفسه وللنفس البشرّية عامّة، ما سينعكس ارتقاءً لحياة الإنسان على الأرض بعيدًا عن التقلبات والألم.
ختامًا، إنّ الأزمات هي أحد أوجه الحياة المادية المتسارعة النمط والتي يواجهها إنسان اليوم. وما لم يرتقِ الفكر البشري إلى تحليل هذه الأحداث وفهمها من منظار باطني-لامادي… سيبقى الإنسان ضحيّة صدمات متتالية… حيث الوعي هو المفتاح والعامل الوحيد للارتقاء بالفهم. وهل يمكننا أن نستنتج بأنّ التطور المنشود في عصر الدلو، أي عصر النور والمعرفة، الذي بدأنا نعيشه فعليًّا، سيكون ارتقاءًا في تطور مادي-باطني يقود الإنسان إلى وعي شمولية إنسانيته؟
استمتعتوا جدًا وبقراءة هذه المقالة ! تفسير منطقي للازمات التي يعاني منها الانسان وخصوصا” حاليا” وتضيف نظرة ايجابية لما يحدث بحيث تعطي الافراد ثقة بقدرتهم على تغيير هذه الاحداث من خلال النظر بداخلهم والبدء بالتغيير من هناك . ان اكثر الامور المخيفة للانسان هو المجهول وهذا هو الاحساس الطاغي في هذه المحن التي نمر بها، فمن خلال فهم انفسنا وتطوير الوعي لدينا يتقلص هذا الاحساس لدينا وبهذا نستطيع تركيز مقدرتنا على تغيير واقعنا من خلال نمو وعينا.