بقلم وليد فرح
لعلّ اتخاذ القرار هو أكثر ما يقوم به المرء على مدار الساعة وعيًا منه أو لاوعيًا. فالنهوض في الصباح الباكر للذهاب إلى العمل مثلًا أو القيام بأي أمر حدد له مسبقًا هو مبني على قرار اتخذه في الماضي، ينفّذ في لحظة الحاضر وتمتد نتائجه مستقبلًا…
فالقرار جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية، الفردية أو الاجتماعية… وهو يخضع لحركة مستدامة من مد وجذر، أخذ وعطاء، فعل ولافعل… هذا وكلّما توسّع وعي المرء حياتيًّا عمليًّا كلّما توسّعت مروحة الخيارات أمامه وبالتالي بات اتخاذ القرار أدق… أمّا حين يتقوقع وعي المرء (حياتيًّا عمليًّا) تضيق أو تتقلص تلك الخيارات ويصبح بالتالي اتخاذ القرار أصعب… فالقرار لازمة الحياة اليومية، فحيث يوجد خيار يتوجب اتخاذ قرار…
هذا وقد أوضح الدكتور جوزيف ب مجدلاني (ج ب م) مؤسس مركز علم الإيزوتيريك في لبنان والعالم العربي، بأنّ القرار هو ”الاستنتاج الذي يتوصل إليه الفكر والذي يتطلب التطبيق، من أبسط وأصغر تفصيل حياتي إلى أعمقه. فمطلق عمل مهما يكن نوعه هو مبني على قرار بغض النظر عن كبَر أو صغَر ذلك الموضوع“.
قرار – إرادة – مثابرة…
من جهة أخرى إنّ أي قرار يتطلب إرادة للتطبيق… فيما تطبيق العمل يستوجب مثابرة للتنفيذ فتكون ثلاثية إرادة – قرار – مثابرة دافع أساس في إيصال المرء إلى أهدافه كافة…
ربّ سائل في ضوء ما تقدّم كيف يمكن فهم علاقة كلّ من الإرادة والقرار والمثابرة بدءًا بالإرادة كأساس أو دافع محوري في أي عمل…
في الواقع، لم تكفّ الإرادة يومًا عن تقديم يد العون والدعم الكافي للإنسان، إنّما المرء هو مَن يقبل أو يرفض، وهو الذي يفتح لها الباب أو يغلقه أمام ما تقدّمه له من مساعدة. فالإرادة حاضرة دومًا، وهي تبث للإنسان كلّ ما هو بحاجة إليه… إنّما إن لم يكن هناك قرار واضح وصادق لن يستقِ المرء ممّا تقدّمه له الإرادة. فالقرار كما أوضحه الدكتور جوزيف ب مجدلاني (ج ب م) هو سفير الإرادة في عالم النفس. أمّا المثابرة هنا فهي تتغذى من كلّ من الإرادة والقرار وتغذيهما بدورها من خلال النتائج العملية. والعكس صحيح. إذ إنّ أكثر ما يُخفت من وهج الإرادة ويحوّل القرار عن مساره هو ضعف المثابرة. فعدم المثابرة مثله مثل الوقوع في الخطأ الفادح لا بل قد يكون أسوأ، إذ إنّه في حال غياب المثابرة، تعمق سلبيات التردد، والقلق، والشك، والكسل إضافةً إلى الخوف؛ ممّا يجعل عمل الفكر في حال من التباطؤ واللاإستقرار.
وهنا يطرح السؤال نفسه: إذا كانت المثابرة مرتبطة ارتباطًا جوهريًّا بالإرادة، هل هذا يعني أنّ علّة عدم المثابرة في ضعف الإرادة؟
الصدق قاعدة القرار الحر…
في الواقع وبتجرد، الضعف ليس في إرادة المرء بل هو في ’صدق قراره‘ على قاعدة ممارسة حريّة الاختيار والتي هي بدورها جزء لا يتجزأ من الخيارات التي قرر المرء اتخاذها في حياته. فواقع الإنسان ليس سوى نتاج الخيارات التي اتخذها في الماضي، يتخذها في الحاضر، وسيتخذها مستقبلًا… فهل من فعالية أو حتى قيمة لأي قرار من دون حريّة اختيار؟ وهل من نتيجة مرجوة من دون المثابرة على تطبيق أي قرار؟؟؟
خلاصة القول إنّ العمل على الانسيابية في ثلاثية إرادة – قرار – مثابرة، في ضوء الصدق باتخاذ القرار، يخلق قاعدة توازن في الكيان الباطني للمرء، الأمر الذي يفتّح قنوات التواصل بين أبعاد النفس لتنفيذ المطلوب.
ويبقى الإيمان بالهدف، الثقة بالنفس، التوازن على الصعد كافة، التخطيط الدائم ووضع أهداف منطقية، إضافة إلى كلّ من التحدي والمواجهة، كما حسّ المسؤولية، ناهيكم عن الصدق في كلّ ما تقدّم وبعيدًا كلّ البعد عن مختلف أشكال الخوف والمواربة والتسويف، هي المستلزمات التي تدعم القرار وتثبته، كما وتشحذ المثابرة على التطبيق وتفتح الباب أمام طاقة الإرادة لتعطي من ذاتها في نفس صاحبها… فيغدو القرار وعدًا وعهدًا وتضحي المثابرة التزامًا…