بقلم المهندس
شربل معوّض
سلّط علم الإيزوتيريك نور الوعي على مجاهل النفس البشرية وعاديّات الفكر، فقلب الموازين ودحض المعتقدات المتوارثة والبالية، قَوَّمَ المفاهيم المغلوطة والمشتّتة وربطها بعضها ببعض، لتتلألأ شبكة الحقيقة في ترابطها. عندها، شعّ بريق الفهم واختبرت النفس نعمته بعد طول انتظار… انتظار عاشته في التخبّط بين اللامنطق واللاترابط واللاواقعية، بسبب عدم إلمامها بحقائق الباطن الإنساني؛ النواحي الخافية التي تشكّل حقيقة تفاعل كلّ فرد في مناحي الحياة كافة…
هذه الكشوفات قدّمتها موسوعة علم الإيزوتيريك لكلّ مريد على ’طبق من ذهب‘ يضمّ أكثر من مئة مؤلف لتاريخه وفي سبع لغات (تُرجمت من العربية)، بعدما أخذ الدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م)، مؤسّس مركز علم الإيزوتيريك الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي، على عاتقه مهمة تبسيط الحقائق الكبرى وجعلها في متناول العامة، فقدّم تقنية ”اِعرف نفسك“ في منهج عملي يستفيد منه الجميع، كلٌّ بحسب مستوى وعيه ونسبة تطبيقه…
ومن بين الكشوفات التي قدّمها علم الإيزوتيريك، حقيقة أنّ الإنسان هو محور الوجود برمّته. فمن أجله وُجِدَ الكون بكلّية أبعاده، وله خُلِقَت المجرّة ونظامنا الشمسي بكلّ طبقاته، وبالتحديد كوكب الأرض، ليكون مدرسة الإنسان، ينمو عليها بالوعي عبر الاختبار والمشاركة… لا بل أكثر من ذلك، فقد ذكر الإيزوتيريك ”أنّ الكون هو تكبير عن الإنسان وليس العكس“!
مسببات الأحداث، كيف نفهمها؟
وكما أنّ الإنسان هو محور الخلق، فهو أيضًا محور حياته بكلّ تفاصيلها، أي إنّه السبب أو الجاذب لكلّ ما يعيشه من أحداث… بمعنى أنّ مجريات حياته ليست سوى نتيجة لسببٍ ما يقبع في داخله، أو لتعبئة نقصان ما في وعيه الفردي. فالحياة سلسلة أحداث مترابطة ومرتبطة بحالة الإنسان الداخلية. ولعلّ القول المأثور ”كن جميلًا ترى الوجود جميلًا“ يقترب إلى حدّ ما من هذا المفهوم.
مقاربة الحياة من منطلق أنّ الإنسان هو المحور، تحتّم تغييرًا جذريًّا في طريقة التفكير والتصرّف حيال مجمل الأحداث والاختبارات التي يعيشها المرء، بدءًا من وعيه للحبّ الحق، امتدادًا للروابط العائلية وتوسعًا في ميدان العمل والمحيط الاجتماعي… هذا يعني أنّ المرء بإمكانه التحكّم بمجريات حياته العامة كما الخاصة. ويعني أيضًا أنّ مفاهيم الحظ والصدفة والعشوائية تسقط من حساباته إلى غير رجعة، فيستبدلها بالعمل الموجَّه والتخطيط لربط الظاهر (الواقع) بالباطن (الحقيقة)، والسعي إلى فهم مسبّبات الأحداث التي يعيشها (كلٌّ بحسب مستوى وعيه طبعًا)، كانعكاس لما يعتمل في نفسه من تفاعلات، سلبية كانت أم إيجابية…
يُعتبر ميدان الحبّ والزواج الحقل الأقرب والأكثر تأثيرًا في نفس كلّ إنسان وحياته. فمفهوم المحور يحتّم على المرء أولًا أن يعي أنّه المسؤول عن إنجاح علاقة الحبّ التي يعيشها، خاصة في كنف الزواج. بالتالي، عليه أن يسعى جاهدًا إلى تحقيق ذلك عبر الابتعاد عن عادة إلقاء اللّوم على الشريك، فيبدأ بالعمل على نفسه أولًا عبر مراقبة تصرّفاته، ثم تقييمها بغية تقويمها. هذه الإيجابية المستجدّة إن اقترنت بالصدق والمثابرة، ستنعكس حتمًا في تصرفات الشريك/الحبيب وإن لاوعيًا منه… أمّا على صعيد الأبناء، فيشرح الإيزوتيريك، وأيضًا انطلاقًا من مفهوم المحور، أنّهم (الأبناء) مرآة لذويهم. ما يعني أنّ هفوات أبنائنا هي انعكاس لسلبياتنا. بالتالي فإنّ كلّ صفة سلبية نريد أن ننتزعها من أحد أبنائنا لا بدّ وأن نستأصلها من نفوسنا أولًا. والتجربة خير برهان…
أمّا في ما خصّ ميدان العمل وما يجلبه من تجارب ومواجهات خارجية، فالمرء يخوضها وهو غير واعٍ أنّها أيضًا انعكاس للمجابهات الداخلية المتوجّب على النفس خوضها. إذًا، نجاح المرء في تخطّي هذه المواجهات منوطٌ أيضًا بمدى نجاحه في تخطّي المجابهات الداخلية، والعمل على استئصال بذور اللاانفتاح واللاصدق واللاتنظيم من الفكر والمشاعر والمسلك.
من أراد التغيير فليبدأ من نفسه…
يتوسّع مفهوم المحور خارج إطار الحياة الخاصة والحياة العملية ليطال أيضًا المجتمع من حولنا والوطن الذي نحن من أبنائه. فكما أكّد الإيزوتيريك مرارًا وتكرارًا أنّ ما من عشوائية في نظام الخلق، حتى المجتمع الذي ننتمي إليه والوطن الذي تجسّدنا فيه يعكسان مستوى وعينا الحالي، ويناسبان برنامج العمل الذي يجب أن نحققه خلال الحياة بهدف تفعيل الوعي… فإن أراد المرء حقًا تغيير المجتمع من حوله، فليبدأ من نفسه. فالإيزوتيريك يدعو إلى العمل على بناء الشخصية الفردية وصقلها، لأنّ التغيير في المسلك الحياتي سيؤثّر وسينعكس حتمًا على مَن حولنا أولًا، ومن ثمّ يطال دائرة أوسع من الأشخاص. هكذا، إذا ما عمل الإنسان بصدق على نفسه، فسيلقى المساعدة من نظام الحياة… وإنّ الآية القرآنية الكريمة (الرعد:11) ”إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم“، تعكس بوضوح مفهوم المحور في الحياة والمجتمع…
التعمّق في مفهوم الإنسان كمحور والبحث عنه في تفاصيل حياتنا اليومية يوسّع الفهم ويمكّن المرء من أن يعي ويتحقق عمليًّا من أنّ المستقبل ليس سوى ثمار حياته الحاضرة. بالتالي حريٌّ به أن ينكش تربة نفسه وينقّيها من عوسج المسلك السلبي كي ينمو زرع المستقبل بما تشتهيه تطلّعاته وآماله. هذا ما يساعده على التخلّص رويدًا رويدًا من القلق والخوف، وبالتحديد القلق من المستقبل والخوف من المجهول…
إنّ فهم الحياة يعمّق شعور الهدوء الداخلي، ما يعزّز صفاء الفكر ويقوّي اليقظة الفكرية من خلال ترقّب الأحداث ودراستها على قاعدة المنطق السامي الذي يربط الظاهر بالباطن. هكذا لا تعود الحياة مجرّد تتالٍ لأحداث غير مترابطة تحكمها العشوائية، ولا نعود نشكو ظلمها…
عيش الحياة في ضوء مفهوم الإنسان كمحور، كما قدّمه علم الإيزوتيريك، يغيّر مقاربة المرء لكلّ ما يحيط به، فيجعله يعيش في صلب الحياة لا على هامشها، ولا يعود يتوقّع أن تأتي الحلول من تلقاء نفسها، ولا ينتظر أن تتبدّل الظروف مع مرور الوقت، بل يعي أنّ الحياة تريده أن يكون ”رجل فعل وليس ردّة فعل“، وأن يتحمّل مسؤولياته ويمتلك زمام التحكّم بمجريات حياته، فيرسم مستقبله بإرادته وأفعاله…