بقلم د. رانيا كفروني فرح
في ظلّ التحوّلات الجذريّة التي يشهدها العالم اليوم، تبرز صراعات العصر الحالي إلى الواجهة بشكل مكثّف ومتشعّب، والأهم بشكل فادح وفاضح المعالم… حتى باتت النزاعات المتأججة بين الدول من أبرز معالم العصر الحالي، ناهيكم عن الصراعات الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، كما الصراعات البيئيّة والتكنولوجيّة والمعلوماتيّة وغيرها من صراعات عقائديّة وثقافيّة، من دون أن ننسى صراع الأجيال الذي لا يقلّ أهمية عمّا تقدم، وصراع الإنسان مع المرض، ومع الزمن. وما الحروب القائمة اليوم سوى دلالة على اتخاذ تلك الصراعات منحىً عنيفًا وسلبيًّا في أغلب الأحيان…
ولو تناولنا واقعَ الحال بالمنطق الأفقي-الأرضي للأمور، لوجدنا أنّه ما من حلولٍ حاليّة أو حتى من بوادرِ حلولٍ تلوحُ في الأفق… حيث يخالُ للمرء أنّ ما من حلّ يرتجى غير ”معجزة“ تنقذ العالم عامة، والدول خاصة، والإنسان تحديدًا من تخبطات تلك الصراعات على أنواعها…
هل الصراعات إلزامية؟!
لعلّ الصراعات التي يعيشها إنسان اليوم ليست عديمة الجدوى، وإنّما عدم فهم المرء لإلزاميتها وأبعاد معانيها ولأهميّة حسمها إيجابًا وبسرعة هو ما يجعل منها (أي من الصراعات) المنغصّ الأوّل لـراحة باله ”المصطنعة“… فالصراعات إلزاميّة لتطور وعي الأفراد كما وعي الشعوب ووعي الدول في ظلّ إرادة الوعي-الخير… يفرضها قانون دفع ديون الكارما الفرديّة (على مستوى الفرد) أو الجماعيّة (على مستوى الأفراد أو المجموع – الدول والمجتمعات) من جهة، أو حاجة الوعي للتوسع من جهة أخرى، أو كلاهما معًا… ما يعيدنا إلى ما كشفه الدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م) مؤسس مركز علم الإيزوتيريك في لبنان والعالم العربي في مؤلفه ”تعرّف الى فكرك“ ص59 أنّ ”الصراع الداخلي الذي يتعرض له الكيان البشري من وقت إلى آخر، هو صراع بين مستويات (ذبذبيّة) مختلفة في الوعي…“.
ما هو دور الأنا؟!
إنّ علم الإيزوتيريك قائم على محوّر التطبيق العملي الحياتي العملاني، حيث الإنسان هو المختبِر والمختبَر في آن، لا بل يقدم لكلّ مريد الحلول المرجوّة لتخطي المعضلات الحياتيّة على أنواعها ومنها الصراعات… ولعلّ المعادلة السرّ هي في تحييد ’الأنا‘ جانبًا في خوض الصراعات على أنواعها (خارجيّة أو داخليّة)… فالـ ’أنا السلبية‘ كفيلة بتضليل المرء عن هدفه الأساس في ظلّ متاهة الخوف من تشويه ’صورة الأنا الخارجية‘ وسقوط أقنعتها… حيث التواضع العملي إلى جانب المرونة والموضوعية والصدق في تعرية النفس في ظلّ المبدأ الإنساني أساس في إدارة الصراعات وتخطيها. وما ’أنا‘ القادة سوى انعكاس لأنا الدول و’أنا‘ الشعوب بعيدًا عن إنسانية إنسانها، إنطلاقًا من القول المأثور ”كما تكونوا يولّى عليكم“. ممّا يذكّر بما كشفه الدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م): ”إنّ أصعب صراع هو صراع التواضع ضد العجرفة والكبرياء – أسوأ صفات الأنا! ولا يشفيه غير الوعي“. وفي هذا السياق لا بدّ من ذكر القول المأثور ألا وهو:”لا تكن قاسيًا فتكسر، ولا تكن ليّنًا فتعصر“، ويجيب الدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م) بالقول: ”بل كن متواضعًا فترفع“… (من كتاب الإيزوتيريك ”نداء الحقيقة“ ص46). ولا يشفي الكبرياء والعجرفة سوى الحبّ الواعي، كما يؤكد علم الإيزوتيريك في كتاب ”تعرف إلى الحبّ“ ص168: ”الحبّ كالوعي هو إرادة اختراق حاجز العناد لدائرة الأنا المقفلة“…
بالفعل إنّ الوعي والحبّ كلاهما المعجزة ’المرتقبة‘ في مسيرة الإنسان، وهما الكلمة الفصل في حسن تعامله مع صراعاته، وهو يخطو نحو تحقيق السعادة الحقّ في حياته الأرضيّة…