لغة الضاد تنبض من جديد من خلال منهج علم الإيزوتيريك
بقلم المهندسة هيفاء العرب
لغة الضاد، لغتنا التعبيرية الجميلة… لغتنا المغناج بانحناءات حروفها، المصوّرة في استدارة خطوطها حينًا، والمنسابة في تمدّدها في استرخاء جميل وانعتاق على “بحر” السطور حينًا آخر…
لغة الضاد، لغتنا الجميلة… بين طيات حروفها ينبض إيقاع الكلمات، فمرّة هي حروف حادة النبرة، وأخرى هي رقيقة المخارج إذ تنعتق من ثغر قائلها…
لغة الضاد، لغتنا الجميلة… في بياض الورق تحفر اشكالًا تعبيرية تستوقف الحواس، قبل أن يلامس مضمونها شغاف القلب أو تلابيب الفكر…
فما بالي أتغنى بـ”باولو كويلو” و “روبرت لنغدون” و”ج.ك.رولنغ”… وأنسى روائع قيس وليلى، وحِكَم المتنبي، وفكر العقاد، وأدب نعيمة… كيف أنساهم وأنا العربية في جذوري؟!… كيف أتبنى لغة ليست لغتي، وفكرًا لا يحمل هواجسي، وأدبًا يخلو من طموحاتي؟… ومن أكون إن أنا تنكرت للغتي؟… وهل لثقافة ليست ثقافتي أن تفيني حقّي في التعبير؟…
”اللغة هي رمز لحقيقة خافية في كيان كل إنسان…“
في عالم الأرض اللغة، كل لغة هي رمز الهوية والانتماء… هي رمز لحقيقة خافية في كيان كل إنسان… إنّها، كما يوضح علم الإيزوتيريك (علم الوعي، علم إنسانية الإنسان)، لباس الذبذبة ككلام ولباس الذرة كمعنى في عالم الأرض. فالذبذبة كانت اللغة الأصل مع اطلالة الوجود البشري قبل أن تتطوّر تجربة الإنسان في عالم الأرض… هذا وللحياة على الأرض، أو للتجسد على الأرض، رموز تنطوي على حقائق كامنة في النفس البشرية ومن هذه الحقائق طبيعة البلد الذي يتجسّد فيه المرء، النطاق الاجتماعي والعائلي أيضًا لجهة القواسم المشتركة من صفات وممارسات ومعتقدات… فهذه جميعها تعبّر عن شيفرة الوعي الفردي الخاص بالمرء، بالتالي مستوى الوعي الفردي في الحياة… بين هذه الرموز يتجلى التعبير كقاسم مشترك، حيث اللّغة هي جسد التعبير وحيث الارتباط باللّغة الأم هو في عرف الباطن الإنساني – في عرف الأصل – ارتباط بالجذور بحكم البلد الذي يتجسّد فيه المرء…
ولكن… لغتنا العربية باتت لغة مستضعفة من أهلها… وهي في نظر الكثيرين من أبناء لغة الضاد لا تتماشى مع التطور الحياتي عامة والتطور التكنولوجي العلمي خاصة… ولكن علم الإيزوتيريك ظهر في هذا الزمن بالذات لتثبيت العكس فقدّم منهج علم المستقبل الإنساني – علم الإيزوتيريك بلغة عربية، علمية، أدبية، سليمة بليغة مجدّدة وراقية…
تعرفتُ إلى علوم الإيزوتيريك منذ سنوات خلت في فترة لم يكن يعنيني فيها أمر اللغة من قريب أو بعيد، وتحديدًا أمر لغتنا العربية، ولا كان لي شأن في الكتابة أساسًا… في تلك الفترة سألتُ الدكتور جوزيف مجدلاني مؤسّس مركز علم الإيزوتيريك، سألته “لِم تقدّم علم الإيزوتيريك باللّغة العربية وهي ليست لغة انتشار في الوقت الحاضر وهذا العلم النبيل يجب أن يدركه كل إنسان يسعى إلى تنمية وعيه في هذا العالم؟”… فأجابني حينها “اللغة تعبّر عن الهوية الفردية في ظاهرها كما في باطنها، وعلم الإيزوتيريك يرشد المرء إلى هويته الإنسانية، إلى أصالته… فكيف نتحدث عن الأصالة في علم الإيزوتيريك إن لم تكن افعالنا تعبيرًا عنها”…
”التنكّر للغة الأم هو وجه من أوجه التملّق…“
تعمّقي في علم الإيزوتيريك فتّح في نفسي حبّي للغة العربية، مع أنني لم اتنكر لها يومًا… وعلى مر السنين شهدتُ عدد لا يستهان به من الأشخاص من لبنان والوطن العربي، أشخاص كانوا يتوافدون إلى محاضرات الإيزوتيريك يجاهرون بفخر أنّهم لا يقرأون اللغة العربية – لغتهم الأم – والعذر أنّها “صعبة” وأنّهم يفضلون القراءة بلغات أجنبية… في المقابل كان يطيب لي أن اقابل في محاضرات الإيزوتيريك مفكرين أجانب يتوافدون بين الحين والآخر ويجتهدون في الاطلاع على علم الإيزوتيريك باللّغة العربية لشغفهم بمعرفة الإيزوتيريك…
في الظاهر، أن أحبّ لغتي واعتمدها كلغة أساس أو أن لا أحبّها يبدو شأنًا خاصًا… ولكن في الجوهر التنكّر للغة الأم هو وجه من أوجه التملّق في عالمنا العربي… وفي عرف علم الإيزوتيريك التملّق أو اللاصدق يعني تضعضع محور الوعي في النفس البشرية أي نشوء هوّة من الضبابية بين وعي الظاهر ووعي الباطن فيها (النفس البشرية) جراء ممارسة وجه أو اكثر من أوجه التملق… علمًا أن التملّق على أي صعيد كان هو من السلبيات النفسية التي تمنع تفتّح الوعي لدى المرء في سعيه إلى معرفة نفسه عبر منهج علم الإيزوتيريك، بالتالي عليه أن يتبنى الأصالة في كل تفصيل حياتي مهما بدا ثانويًا…
علم الايزوتيريك، إذ تأسّس في هذه المنطقة من العالم العربي ليقدّم منذ أواسط الثمانينيات علم المستقبل الإنساني لعصر النور والمعرفة في “تقنية إعرف نفسك”، قدّم منهجه العلمي باللغة العربية فأعاد للغة اعتبارها فعلاً لا قولاً، وعملاً لا تنظيرًا فجعلها سبّاقة في ما تقدّمه لمستقبل العالم بأسره على أمل أن نثق بأنفسنا وأن نرد اعتبارنا إلى نفوسنا أيضًا بحيث نقدم إلى العالم ما يفيد مستقبلنا ومستقبل الإنسان على الأرض…
لا يكفي أن أحبّ لغتي وأن ادافع عنها كلاميًا أو في الاعلام، بل المطلوب هو نهضة فكرية نقدّم من خلالها اعمالًا تتحدّث علينا. اعمالًا توقظ فينا أهمية وعي الهوية والانتماء إنسانيًا من دون أن ننتقد الغرب ظاهريًا ونتبنى ثقافته عمليًا… المطلوب هو الوفاء والاخلاص على المستويات كافة، فمن دون هذان الصنوان ما من وعي يُرتجى في نهاية المطاف…