الحبّ في مفهومه المتقدم سمة إنسان العصر الجديد…
في عرف علم الإيزوتيريك
على امتداد حياة الإنسان نجده في بحث دائم عن الحبّ. فمنذ نعومة أظافره ينمو الطفل على حبّ والديه ومحبّتهم له… يكبر وينضج وهو في بحث دائم عن الهوى والغرام، وعن الوجد والولع… لكن هل تساءل المرء يومًا لماذا هذا البحث الدؤوب، دونما كلل أو ملل؟!
”الإنسان في بحث دائم عن الحبّ…“
يعتبر البعض أنّ الحبّ انجذاب جسدي، فيما البعض الآخر يعتبره مشاعر وعواطف جياشة تُشعر المرء بأنّه لا يستطيع العيش من دون المحبوب. فقلة من البشر تعترف بدور الفكر في الحبّ! من هنا نجد أنّ نظرة المرء إلى الحبّ تختلف بحسب تجربته ومستوى وعيه. فهل يعقل أن يكون الحبّ في مفهومه المتقدم أكثر من ذلك؟ وهل يخمد الحبّ مع الزواج ويذوي تحت عبء الضغوطات الحياتية؟
هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها مؤسس مركز علم الإيزوتيريك الأول في لبنان والعالم العربي، الدكتور جوزيف ب. مجدلاني، في حوار شيق في الحبّ وعنه…
س- كيف يعرّف علم الإيزوتيريك الحبّ؟
ج- في مفهوم الإيزوتيريك العاطفة واحة الفكر، لكنها ليست الحبّ… الفكر قوة صفاء العاطفة، لكنه ليس الحبّ… تسليط قوة صفاء الفكر على واحة العاطفة هو الحبّ… فالحبّ هو تضافر لذة الجسد، ودفء المشاعر وتواصل الفكر في عمق التجربة الحياتية.
”الحبّ هو تضافر لذة الجسد، ودفء المشاعر وتواصل الفكر في عمق التجربة الحياتية.“
إنّ علم الإيزوتيريك أو علم إنسانية الإنسان، كما سمّاه البعض، وهو يؤكد على ضرورة الحبّ لتحقيق التطور في الوعي، من منطلق أنّ الحبّ هو العامل الذي يُخرج المرء من دائرة أناه، ليتوسع في محبّة الحياة، والعمل، والعائلة الصغيرة فالكبيرة… الحبّ كما يشرحه علم الباطن-الإيزوتيريك، وُجد على الأرض كطبيعة نفس وعلم حياة. لا بل يؤكد علم الإيزوتيريك أنّ العصر الجديد، الذي نحن على ابوابه، هو عصر تفعيل الحبّ الواعي وتعزيز أواصره في النفس البشرية… فالإنسان اليوم بحاجة ملحة إلى ممارسة الفضائل في حياته، وعلى رأسها الحبّ، الحبّ الواعي… فهو وحده يؤسس للحمة النفس الداخلية أولًا، وانسجامها مع محيطها ثانيًا…
س- كيف تفسّر مشاعر الحبّ؟
ج- النظرة هي إكسير الحبّ. لوعة الشجن هي الحبّ. تجدد العاطفة هو الحبّ. التمعن في كل جميل يرى الحبيب محبوبه فيه، هو الحبّ. حضوره دائم في غياب الحبيبين عن بعضهما البعض. لأنّ وجودهما في القلب والعقل معًا.
س- هل الحبّ عذاب؟
ج- هي المعاناة في الحبّ وليست عذابًا. فمعاناة الحبّ هي في سبيل فهم المشاعر في الحبّ، هي ارتقاء وتجل في عيش كلام الحبيب في أوقات غيابه. الحبّ الحق يرتقي إلى غبطة الروح. وإلى اللذين يظنون أنّ في الحبّ عذابًا، أقول: عذاب الحبّ ليس حبًّا، بل فراغًا لم يعرف الحبيبان كيف يعبّآنه كلما التقيا.
”المعاناة في الحبّ هي في سبيل فهم المشاعر في الحبّ.“
في عرف الإيزوتيريك، الحبّ كالماسة المصقولة… أبعاد معانيه أكثر من مثلثات أشكالها…! طبعًا للمشاعر جانب مهم في الحبّ، لكنها ليست كل الحبّ… الحبّ، كما أفهمه، أبعاد مشاعرية وآفاق فكرية يتجه نحوها العاشق لسبر أغوارها في نفسه أولًا، ثمّ في نفس من يحبّ… فيرتقيان معًا أو ينجذبان تلقائيًّا نحو الحبّ الكبير الذي أوجدهما… هذا ومؤلفاتي تتوسع في الموضوع، على سبيل المثال؛ ”همس الحبّ“ و ”المرأة والرجل في مفهوم الإيزوتيريك“، و ”تعرف إلى الحبّ“…، وغيرها ضمن سلسلة علم الإيزوتيريك.
س- ماذا عن الجنس؟
ج- الجنس المجرد من الحبّ أشبه بالفرقيْعات أو الألعاب النارية. بمعنى أنّ ”نيرانه“ تخبو سريعًا ولا يترك أثرًا غير إشباع جسدي مؤقت. ذكرى الجنس جسدٌ يتهادى شهوة ويتراقص التصاقًا… ثمّ تخمد النيران بانتظار ”إشعالها“ من جديد… فيما الحبّ دفء دائم التوهج، لأنّه يستقي من الانتشاء الروحي. ففي مطلق أمره، الجنس فراغٌ، وهذا الفراغ يبحث عن الاشتهاء، والاشتهاء حسّي كالظمأ، يولـّد جوعًا نفسيًّا يبحث عن سدّ رمقه في حلقة مفرغة لا تنتهي… هنا يأتي الجنس كحاجة جسدية مثل الطعام والشراب… أجل هذه الحاجة ضرورية، لكنها لا تختلف عن حاجة الحيوان في هذه الحال…
كي ندرك المقصود، من المهم التمييز بين الحبّ كعلاقة ثابتة، وبين الجنس كنزوة عابرة. فالجنس من دون حبّ داء… والحبّ مع الجنس دواء…!
يقولها الإيزوتيريك بالفم الملآن: ”هناك فضيلة في الحبّ، حتى وإن لم ينتهِ إلى زواج… وهناك رذيلة في الجنس، حتى وإن انتهى إلى زواج…!“
س- أين الإشتياق إذًا؟
ج- الحضور غزير في الغياب، لكونِ الحبيبين معًا دائمًا، وفي بعضهما أبدًا فكرًا وشعورًا وهدفًا موحدًا. ففصول الحبّ تفوق شهور السنة عددًا… وألوان الحبّ أكثر تنوعًا من زهور الحقول… حنينه يكتمل بحنانه… بهجته تكتمل بلوعته… سعادته تكتمل بمعاناته… وفرحة العقل تتكامل في نضج المشاعر… فهل يبقى للبعد المادي – الجغرافي من دور بين حبيبين؟!
س- أتعني أنّ حالتهما سيان عند لقائهما أو عدمه؟
ج- بل أعني ما لا تبوح به إلا الأحلام!!! أعني ضمات عروس تتعلم كيف تحمّم وليدها البكر كي لا يخدشه دفء المياه… كي تنعم بملامسة جلده الطري، ونظراتها أبعد من جلده الطري… وتعابيرها هي الحبّ كل الحبّ!
ما أجمل أن يكتسب المرء مشاعر الطفل في نضج الكهل… بذلك يعطي البراءة في خبرة. ومقدار العطاء يعتمد على فهم الأخذ، على فهم عالم الحبّ الكبير في قلوب العشاق.
فالإنسان كبير كبير… فلِمَ لا يكون حبّه كبيرًا؟!
س- الإيزوتيريك هو علم الوعي، لكن ما علاقة الحبّ بالوعي؟
ج- بداية، وفي تعريف موجز للوعي نقول، إنّه كلمة تختزل هدف الإنسان في شتى مراحل حياته… أمّا الحبّ فهو الدرب الأقصر، ولعله الأوحد، الذي يؤدي إلى تحقيق هذا الهدف لناحية فهم الجنس الآخر… فالحبّ هو ”الذبذبة الإيجابية“ الأقوى في وجه السلبية في النفس، بل هو أكثر من ذلك بكثير… وهذا أمر جوهري يربط الحبّ بالوعي.
باختصار، الحب كالوعي احتواء، إنّما احتواؤه (الحبّ) تخصُّصي، في حين أنّ احتواء الوعي شمولي. بمعنى آخر، الحبّ الواعي هدفه يبدأ كاحتواء لتقلبات النفس البشرية وسلبياتها، ثمّ يتوسع هذا الاحتواء باتجاه الآخر-الحبيب، ثمّ أبعد، فتتسع الدائرة باتجاه المحبّة.
”علاقة الحبّ بين المرأة والرجل هي علاقة نقصان يبحث عن كماله“، كيف نفهم هذه العبارة؟
عرّف الإيزوتيريك علاقة الحبّ بين المرأة والرجل على أنّها علاقة نقصان يبحث عن كماله. هذا الكمال هو اكتمال الوعي الإنساني الذي يتحقق عبر الحبّ، عبر التواصل والتفاعل مع الشريك. فالمرأة تبحث عن تفعيل ما ينقصها من صفات إيجابية، كقوة الإرادة والفكر لدى الرجل. والرجل يبحث بدوره عمّا ينقصه من صفات إيجابية متواجدة لدى المرأة ليفعلها في نفسه، كالتعامل الرقيق والمشاعر المرهفة والعاطفة الجياشة، ليفعلها… فالفكر البعيد عن العاطفة هو فكر جاف قاس، والعاطفة البعيدة عن الفكر هي عاطفة هشة وضعيفة في المواقف اليومية وأمام المصاعب الحياتية.
حين يعي المرء أنّ الحبّ علاقة نقصان يبحث عن كماله، يعيش حينها حالات متجددة من الحبّ، فيتعمق يومًا بعد يوم في فهم نفسه وفهم شريكه في الحياة.
س- ما رأي الإيزوتيريك بمقولة الزواج مقبرة الحبّ؟!
ج- الحبّ الحقيقي لا يخمد ولا يموت، بل ينمو فيتكامل… المشكلة تكمن في الوقوع في فخ الرتابة في الزواج. هذه الرتابة هي مقبرة الحبّ، هي بمثابة الدائرة المغلقة البعيدة عن كل معاني التجدد في حياة الشريكين. فالحبّ بين المرأة والرجل هو، كما سبق وذكرت، نقصان يبحث عن كماله. هذا النقصان يكتمل بالزواج حين يكون الهدف منه الاكتمال بالآخر والتطور معه ومن خلاله. قد لا يخلو هذا التطور من المعاناة أحيانًا، وهذه المعاناة ليست عذابًا، بل هي عذوبة رحلة الحبّ والوعي مع الشريك. العذاب ليس سوى تعبير عن الفراغ… الفراغ الذي دخل إلى حياة الزوجين جراء الرتابة، فعجزا عن تعبئته بما يفيد كليهما. وهذا ما قد يؤدي، على سبيل المثال، إلى إلغاء شخصية أحدهما، وإلى تفاقم المشكلات الزوجية على أنواعها…
س- يذكر مؤلفك (من سلسلة علم الإيزوتيريك) ”تعرف الى الحبّ“ أنّ الحبّ تقنية وعي، كيف تفسرون هذا القول؟
ج- الحبّ كما الوعي، والذكاء، وطاقة التركيز، جميعها قابل للتطور والتفعيل. علم الإيزوتيريك يؤكّد أنّ العبقرية والإبداع والنبوغ، صناعة وتصنيع… وذلك ينطبق على الحبّ أيضًا، من دون تجاهل أهمية الانجذاب والتجاذب بين الحبيبين.
”الحبّ قابل للتطور.“
يشرح علم الإيزوتيريك الحبّ كتقنية وعي، والمهم في ذلك التطبيق العملي لمفهوم الصدق والشفافية في التعبير المتبادل بين الشريكين. هنا لا بدّ من أن نتوقّف عند مفهوم العطاء المرتبط بالأخذ، حيث العطاء إلى الشريك عطاء للنفس، أو هو الوجه الآخر للأخذ. هكذا يعي حينها الحبيبان أهمية التفاهم والتفاعل في شوق متجدد، بعيدًا عن الرتابة والتملق في ”الحبّ“ إذ لا يعود حبًّا…
س- كيف يمكن لكل من المرأة والرجل أن يحققا علاقة حبّ ناجحة؟
ج- يرتكز نجاح الحبّ على عوامل عدّة، أهمها وضوح الهدف من الحبّ، التفاهم والاحتواء، التواصل والتعبير… والتجدد في كل شيء.
س- هل من كلمة أخيرة؟!
ج- من منا لا يحبّ الحبّ؟!
الحبّ في الحياة معمودية لا غنى عنها… كل كائن على وجه الأرض نبضة صدحت في قلب الوجود… خلجة فؤاد وقد تباركت بحبّ الحياة. فكيف للانسان ألّا يحبّ وهو ابن الحبّ البكر؟!
وكيف له ألّا يحبّ وهو وليد محبّة الخالق للعطاء، للحياة، ولهدف الوجود؟!
الإنسان هو مجسد الحبّ الأزلي، الحبّ الإلهي على الأرض…
فهل يمكن لهذا الإنسان أن يهرب من قدر الحبّ؟…
فليُنعم الحبّ علينا من قبس نوره، وليرفعنا إلى سمو طهره، وليباركنا بقداسة مشاعره…